التي تبنتها الكنيسة على أنها كلمة السماء. فكان أمرًا لا بد منه أن يحصل الصراع بين العلماء والكنيسة، أو بين العلم والدين.
وأخيرًا انتصر العلماء وانحسرت سلطة الكنيسة، اللهم إلا عند بعض الضمائر، وبدأت فتنة الناس بالعلم، فلا يؤمنون إلا بما تثبته تجارب العلم.
وكان طبيعيًا أن يتأثر شرقنا الإسلامي بهذا المد الجارف. ولقد عاش الأستاذ الإمام رحمه الله في هذه الحقبة الزمنية الخطيرة، التي انتثرت فيها نظريات داروين، التي تقول بتطور الأشياء كلها، لتستأصل فكرة الثبات التي كانت تتبناها الكنيسة، وقد كانت له أسفار ورحلات إلى أوروبا، التقى فيها بعض رجال الفكر والعلم، ولقد تأثر الأستاذ ببعض هؤلاء العلماء، وبعض تلك النظريات في الاجتماع (١) والتطور والدين، ولكن لا كما يتأثر غيره من الناس، الذين حلت هذه النظريات محل العقيدة في قلوبهم، وإنما أراد أن يوفق بينها وبين الدين، ولقد بدت آثار ذلك في تضييقه لنطاق الخوارق، وفي تفسيره بعض الغيبيات، وفي تقريراته عن أصل الإنسان وتطوره، وتأويله لبعض المعجزات وتفسيرها تفسيرًا علميًّا. وسأحاول أن أتتبع ذلك في نماذج من تفسيره.
[أ- تأويلاته في قصة آدم]
لعل من أهم ما يلفت النظر في تفسير الإمام، ذلك المسلك الذي سلكه في تأويل هذه الآيات {وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠] إلى قوله تعالى: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: ٣٨] فعند ذكر الملائكة يقول: (وذهب بعض المفسرين مذهبا آخر في فهم معنى الملائكة، وهو أن مجموع ما ورد في الملائكة من كونهم موكلين بالأعمال، من إنماء نبات وخلقة حيوان، وحفظ إنسان وغير ذلك، فيه إيماء إلى الخاصة، بما هو أدق من ظاهر العبارة، وهو أن هذا النمو في النبات، لم يكن إلا بروح خاص، نفخه الله في
(١) ولا ينفي هذا أنه قد تأثر بنظريات ابن خلدون الاجتماعية من قبل.