الهدي أداء العمرة ثمّ أداء الحجّ. لكنّ الشافعيّة قالوا: إذا تحقّق جزء العلّة وهو أداء العمرة صحّ تقديم الهدي. وشبيه هذا اختلافهم فيمن حلف على شيء وأراد إتيانه: أيأتيه قبل أن يكفّر عن يمينه؟ قال بعضهم. لا بدّ من أن يكفِّر أوّلًا. وقال آخرون: يمكنه أن يأتي الذي حلفَ على إتيانه ثمّ يكفِّر بعد ذلك.
ثانيًا: الخلافات العقديّة:
هناك خلاف آخر بين العلماء، لكنّه في آيات العقيدة، حيث كان الخلاف بين كثير من الأشاعرة والمعتزلة ثمَّ بينهما وبين الحنابلة وبخاصّة شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمهم الله جميعًا. وسأكتفي بذكر مثالٍ أو مثالين لكلّ نوع من هذه الخلافات، لأنها كثيرة مبثوثة في كتب التفسير والعقائد والأحكام. فمن الخلافات العقديّة مثلًا:
- اختلافهم عند تفسير قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦] وقد جاءت هذه الآية الكريمة في محاجّة أبينا إبراهيم أبي الأنبياء وشيخ الحنفاء - صلى الله عليه وآله وسلّم - قومه "قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون" حيث احتُجَّ بهذه الآية على المعتزلة الذين يرون أن العبد يخلق أفعال نفسِه، فرأى خصومُهم أنّ هذه الآية تردّ عليهم فقالوا إنَّ (ما) في قوله تعالى: {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}[الصافات: ٩٦] مصدريّة، فالمعنى "والله خلقكم وعملكم" فعلى هذا التفسير تكون أفعال العباد مخلوقةً لله تعالى، ولكنّ المنصفين - ومنهم الإمام الطبري رحمه الله - ذهبوا غير هذا المذهب فقالوا: إنّ (ما) اسم موصول والمعنى "كيف تعبدون هذه الأصنام التي تنحتونها من الحجر والخشب وغيرهما والله سبحانه وتعالى هو الذي خلقكم وخلق هذه الموادّ التي تنحتون أصنامكم منها". وهذا التفسير هو الذي يؤيده سياق الآيات. ولا يظُنَّنَ ظانٌّ أنني أنتصر لمذهبٍ ما في هذه القضيّة، لكن الذي يعنيني أنْ لا يكون هناك تكلف في تفسير كتاب الله تعالى.
- ومن هذه الخلافات العقدية اختلافهم في تفسير الكرسي في قوله تعالى: