للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفَصْلُ الخَامِس التفسير في عصر التدوين

لا نستطيع أن نتبين بالتحديد أول مدون للتفسير، وإن كان بعض الباحثين يذكر أن سعيد بن جبير ومجاهدًا في القرن الأول الهجري، قد دون كل منهما تفسيرًا للقرآن. إلا أني أشك في تلك الروايات فالمعروف عن سعيد بن جبير أنه كان يخشى أن يدون شيئًا في التفسير وقد ذكر ابن خلكان في ترجمته أنه سئل أن يدون شيئًا في التفسير، فقال إن قطع لسانه أهون عليه من ذلك (١). ولكن القرن الثاني ولا شك كان ميدانًا للتدوين والتأليف فقد شغل القرآن علماء هذا العصر على اختلاف مسالكهم ومشاربهم، وقد تفرعت بحوثهم وانتظمها سبيلان اثنان:

أولهما: التفسير بالمأثور.

وثانيهما: الدراسات اللغوية للقرآن.

أما الدراسات اللغوية فكان في مقدمتها: مجاز القرآن لأبي عبيدة، ومعاني القرآن للفراء، ولقد اشتهر الأول بالمعاني اللغوية للكلمات، والأساليب اللغوية عند العرب، كما اشتهر الثاني بقضايا الإعراب، وذكر بعض الروايات الأثرية، ولم يخل من ذكر بعض الأساليب.

وأما التفسير بالمأثور، فقد بدأ أولًا، وكانت مهمته نقل الروايات بأسانيدها، دون تعليق عليها، ودون مزج لهذه الروايات بلون آخر من الدراسة. كتفسير يزيد بن هارون السلمي المتوفى سنة ١١٧ هـ، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير عبد الرزاق الصنعاني، ونظرة واحدة إلى هذه التفاسير تعطينا صورة واضحة عما اشتملت عليه وهو نقل الروايات فحسب، ثم تدرج التفسير خطوة أخرى، وإذ به لا


(١) وفيات الأعيان ج ١ ص ٢٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>