للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والآخر مد خفيف، وقد جاءت عقب غنتين في (إذن) و (قسمة)، وإحداهما خفيفة حادة، والأخرى ثقيلة متغشية، فكأنها بذلك ليست إلا مجاوبة صوتية لتقطيع موسيقي، وهذا معنى رابع للثلاثة التي عَدَدْنَاها آنِفًا. أما خامس هذه المعاني، فهو أن الكلمة التي جمعت المعاني الأربعة على غرابتها، إنما هي أربعة أحرف أيضًا) (١). وهكذا يستمر الرافعي، وقد ألان الله له تفجر المعاني في هذا السمو الأدبي، وهو يتحدث عن إعجاز القرآن.

وإذا كان الباقلاني رحمه الله، قد ذاعت شهرته، وعظم صيته بما كتبه في هذا الموضوع، فإن الرافعي كان أكثر ابتكارًا، وأكثر تحليقًا في سماء المعاني. وليس معنى هذا أننا نبخس السابق حقه، فمعاذ الله أن أكون من هؤلاء. ولقد كان سمو الرافعي خيرًا كله وحقًّا كله، وحسنًا كله، وليس نزوة خيال. ولكن عابه أقوام، ولن يضيره ذلك. (عابوا السمو الأدبي بأنه قليل، ولكن الخير كذلك، وبأنه مخالف، ولكن الحق كذلك، وبأنه محير، ولكن الحسن كذلك، وبأنه كثير التكاليف، ولكن الحرية كذلك) (٢). رحم الله الرافعي.

ثالثًا: تفسير الرافعي:

ليس لدينا مع كل أسف كثير من تفسير الرافعي لآيات القرآن، ولكن إذا عرفنا أن الرجل كان يحيا بالقرآن، وكان البيان القرآني سرًّا من أسرار ظهوره، وصورة طبيعية في نفسه، أو صورة نفسية في طبيعته، وكان يتمنى أن تمكنه ظروف الحياة وأعباؤها، ليتفرغ لهذا القرآن، وعلى الأقل لبيان التفسير، وهذا التراث على قلته، مفتاح تستخرج به كثير من الكنوز القرآنية، وأنمذوج يحتذى به، أو يفيد منه، من تذوق معنى الإعجاز، وحلاوة النظم فيما كتبه الرافعي.


(١) إعجاز القرآن ص ٢٦٢.
(٢) وحي القلم - المقدمة ص ٣ ومن أراد الاستزادة فعليه بكتابنا (إعجاز القرآن المجيد).

<<  <  ج: ص:  >  >>