تقريري، بينما جاءت آية الزمر بأسلوب توبيخي تقريعي.
إنه والله لا يوجد أجمل من آية الزمر في موقعها، ولا أبلغ منها في موضعها. وهذا يقال كذلك في آية يونس إن أسلوب كل واحدة منهما، وطريقة التعبير فيها حتمها السياق والمناسبة. فإذا جئنا إلى الآية الثانية: آية هود، وجدنا أن ترك الفاء، لا يدل على أنه أبلغ من ذكرها. ولنأخذ الآيتين من ناحية الإيقاع الصوتي والمنهج اللفظي، لنرى هذا الإبداع في القرآن ثلاث آيات إحداها في سورة الأنعام {قُلْ يَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}[الأنعام: ١٣٥] ومثيلتها في الزمر. أما سورة هود فنص الآية {وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[هود: ٩٣]. فنحن نرى أن آيتي الأنعام والزمر ابتدأتا بكلمة (قل)، بينما ابتدأت آية هود بـ (ويا قوم) والذي يظهر لى، والله أعلم -وإن كنت لست من أهل تلك الربوع التي يصول أهلها ويجولون- أن ذكر الفاء، وتركها حتمه النص الذي وردت فيه، فالنص الذى وردت فيه الفاء ابتدأ بكلمة (قل)، وهو فعل أمر من جهة، واقترن بالفاء من ناحية أخرى، بينما آية هود بدأت بالواو كما قلت.
[أثر الكشاف]
ومهما يكن من أمر. فلقد بقي الكشاف على مدى العصور مدرسة ينهل منها طلاب البيان، بين مختصر ومسهب ومعلق، فلقد أفاد منه النسفي في عبارته كلها، ولقد ضغط البيضاوي تلك العبارة وتفنن فيها أبو السعود، وليس هؤلاء فحسب، بل الفخر وأبو حيان وغيرهما كانت لهم عبارة الكشاف مادة غزيرة، يعجبون بها تارة ويردونها أخرى، ولكن هل كان تفسير الكشاف خاتمة المطاف في تجلية الصور البيانية، وبعبارة أخرى هل وقفت دفعة التيار البياني، وجفت جداولها بانتهاء الزمخشري؟ أكثر الباحثين يردون على هذا السؤال بالإيجاب ويرون أن الكشاف كان نهاية الحركة البيانية، وأن من جاءوا بعده لم يكتفوا بالدوران حوله فقط، بل إنهم ذهبوا إلى ما هو أبعد وأغرب، فتكلفوا وتمحلوا وجاءوا بمماحكات ممجوجة بعيدة