والقرآن يقول -مناقضًا هذا- إن الحياة الإنسانية بدأت في نور من الله كامل، وأنه تعالى حين خلق الإنسان الأول -آدم- أنزل إليه الحقيقة وأراه الصراط السوي، فاتبعت ذرية آدم طريقه ردحًا طويلًا، وكانوا جميعًا أمة واحدة، ثم شرعوا بعد ذلك في اتباع طرق أخرى، وابتداع أديان جديدة مع أن الحقيقة كانت قد بينت لهم تمامًا، إلا أنهم أرادوا أن يخولوا أنفسهم قدرًا أكبر من الحقوق والقدرات التي قررتها لهم الحقيقة، فأرسل سبحانه وتعالى رسله لمنع الضالين الباغين من سلوكهم هذا، ودعوتهم إلى دين الله الحقيقي وطريقه الأصلي ... " (١).
[وقوعه في الإسرائيليات]
مع أن الأستاذ أبا الأعلى ردّ الشبهات التي أثارها بنو إسرائيل، إلا أنه وقع في الإسرائيليات، وانزلق بإيراده نصوصًا من التوراة والإنجيل، مستشهدًا بها لا منكرًا، فحين فسر قوله تعالى:{وَقَال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالوتَ مَلِكًا}[البقرة: ٢٤٧]، قال: "تقول التوراة: وكان رجل من بنيامين اسمه قيس، وكان له ابن اسمه شاول شاب وحسن، ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه من كتفه فما فوق، كان أطول من كل الشعب، فضلت أتن قيس أبي شاول فقال قيس لشاول ابنه: خذ معك واحدًا من الغلمان وقم اذهب فتش عن الأتن، وفيما هما آتيان في وسط المدينة إذا بصموئيل خارج للقائهما ... فلما رأى صموئيل شاول أجابه الرب هو ذا الرجل الذي كلمتك عنه، هذا يضبط شعبي، ... فأخذ صموئيل شاول وغلامه وأدخلهما إلى المنسك وأعطاهما مكانًا في رأس المدعويين، وهم نحو ثلاثين رجلًا ... فأخذ صموئيل قنينة الدهن وصب على رأسه ... وقال أليس لأن الرب قد مسحك على ميراثه رئيسًا ... فقال صموئيل لجميع الشعب: أرأيتم الذي اختاره الرب ... [صموئيل الأول: ٩ - ١٠].