وأخيرًا فإن شخصية رشيد العلمية تبرز جلية في تفسيره وآرائه، وليس معنى هذا أنه لم يتأثر بمن سبقه، فهذا أمر تلفظه وترفضه طبيعة الفكر الإنساني وطبيعة الاجتماع البشري، فلقد تابع رشيد الشيخ محمد عبده في مسألة تضييق نطاق الخوارق، وهو ما تسرَّب إليهما في اعتقادي من الحضارة الأوروبية، فوافقه في قصة آدم، وتأويل آيات قصة البقرة، ولم يعترض عليه فيما قرره في معجزة خلق عيسى عليه السلام، وهذا كله لا يخرج رشيدًا من ميدان استقلال الفكر في بحثه، ومن أراد أن يتعرف مقدار ما بين أسلوبيهما من تمايز، فليراجع ما كتبه كل منهما في تفسير سورة الإخلاص.
[٦ - بيانه لسنن الله في العمران والاجتماع]
لعل من أعظم ما امتاز به تفسير المنار، إرشاده إلى سنن الله وكونها لا تتخلف، فلا نكاد نمر بتفسير آية إلا ونجد فيه ما يلفت المسلمين إلى واقعهم السيء وإلى المسافات الشاسعة بين هذا الواقع وبين هدي القرآن، كما نجد الإفاضة الكثيرة في تقرير هذه السنن في الاجتماع والعمران، وهذه لفتات كريمة حقًّا، فإن الله تبارك وتعالى ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق، وقد أرشدنا القرآن لأن نعتبر بأحداث الأمم {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١٣٧)} [آل عمران: ١٣٧]، فلا عجب أن يشرح رشيد هذه السنة وآثارها، وأن يبث ذلك في تفسيره، كل ذلك من أجل أن يستيقظ المسلمون من سباتهم، وأن ينهضوا من كبوتهم، وأن ينفضوا عنهم غبار اليأس المتراكم ووعثاء الغرور والتمني، حتى أننا نجده يعقد فصولًا في ذلك، من ذلك ما نراه في خلاصة تفسير سورة الأعراف حيث يفرد بابًا في سنن الله تعالى يضمنه الأصول التالية (١):