تسيطر عليه فكرة فهو يخرج هذه الكلمات من قلبه، بعد أن تفيأ هذه الظلال القرآنية المباركة، فارتفع علو نفس وعزة مسلم وكبرياء مؤمن بغير بغي أو طغيان، والتفت حوله فإذا بأمة انسلخت من القرآن لتتفيأ ظلًا غير ظليل، لا يغني من اللهب، فبثها خواطره ومشاعره وعصارات فكره ووجدانه، علها تخلص من شرودها في تيهها الرهيب، ومن هذا القبس ندرك أن هذا التفسير كان محاولةً جديدة لبناء العقيدة في النفوس وإحياء الإسلام في المشاعر وفي واقع الحياة كلها، فلا عجب أن يكون هذا التفسير مختلفًا اختلافًا كبيرًا عن منهج كثير من التفاسير وبخاصة التقليدية منها.
إن صاحب الظلال ليس غرضه ملء كنابه بالاصطلاحات العلمية والفنية وليس غرضه أن يوفق بين القرآن وبين نظريات العلم الحديث ليرضي رغبات الكثيرين، وليس غرضه أن ياسر عواطف الناس بالقصص المشوقة والآثار الغريبة، وإنما هدفه من هذا التفسير أن يرتفع بالمسلمين من حماة الجاهلية وأوحال الرذائل التي ارتكسوا فيها، إلى القمة السامقة، حيث العزة والعلاء ورضوان الرحمن وسعادة الدنيا والآخرة.
[منهجه في التفسير]
يحدد سيد منهجه في التفسير بأنه يقصد فيه عرض القرآن من جديد مع بيان ما اشتمل عليه هذا القرآن من نظم اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأن يستنقذه من ركام التفسيرات اللغوية والنحوية والفقهية والتاريخية والأسطورية أيضًا، وهو في عرضه للتفسير يسلك طريقة تكاد تكون خاصة به، فهو يأتي أولًا بمقدمة للسورة يستعرض فيها مقاصدها ويحلل موضوعاتها، وهو في ذلك لا يترك فرصة تمر إلا ويفرغ فيها عواطفه ويبث ما في نفسه من وجد، وما في فكره من مسائل وقضايا في نفس القارئ، هذه المقدمة لا يكاد الإنسان ينتهي من قراءتها إلا وقد كونت لديه فكرة تامة عن أبعاد السورة وغايتها، وغالبًا ما يكون في مقدمته ذا نفس طويل فقد تزيد المقدمة على خمسين صفحة، والذي دعاه لهذا تميز كل سورة من سور القرآن