للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غضبًا لله تعالى بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة، ولهذا لما خرج عنها لله تعالى عوّضه الله عز وجل ما هو خير منها، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوّها شهر ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل (١).

وعندي أن ما ذهب إليه الشيخ سعيد بعيد، وقد استبعده الإمام الرازي مستدلًا بوجوهٍ: "الأول: أنه لو كان معنى مسح السوق والأعناق قطعها لكان معنى قوله: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦]، قطعها، وهذا مما لا يقوله عاقل، بل لو قيل: "مسح رأسه بالسيف"، فربما فُهم منه ضرب العنق، أما إذا لم يذكر لفظ السيف لم يفهم البتة من المسح العقر والذبح.

الثاني القائلون لهذا القول جمعوا على سليمان - عليه السلام - أنواعًا من الأفعال المذمومة، فأولها: ترك الصلاة، وثانيها: أنه استولى عليه الاشتغال بحب الدنيا إلى حيث نسي الصلاة، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "حب الدنيا رأس كل خطيئة وثالثها: أنه بعد الإتيان بهذا الذنب العظيم لم يشتغل بالتوبة والإنابة البتة، ورابعها: أنه خاطب رب العالمين بقوله: {رُدُّوهَا عَلَيَّ}، وهذه كلمة لا يذكرها الرجل الحصيف إلا مع الخادم الخسيس، خامسها: أنه أتبع هذه المعاصي بعقر الخيل في سوقها وأعناقها، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكلة"، فهذه أنواع من الكبائر نسبوها إلى سليمان - عليه السلام -، مع أن لفظ القرآن لم يدل على شيء منها ... " (٢) إلى آخر ما قاله رحمه الله.

[عنايته بالقضايا الفقهية]

من يقرأ تفسير الشيخ سعيد لآيات الأحكام يلمس أنه حنفي المذهب، فنراه كثيرًا ما يقدمه في الذكر على المذاهب الأخرى، وإنْ رجَّح بين المذاهب فغالبًا ما يرجحه، وأحيانًا لا يذكر غيره.


(١) انظر: الأساس، ٨/ ٤٧٩٥.
(٢) تفسير الرازي، ١٣/ ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>