للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طريقته في فنقلته (فإن قلت: لم أدخلت اللام على جواب (لو) في قوله {لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا}، ونزعت منه هنا؟ قلت: إن (لو) لما كانت داخلة على جملتين، معلقة ثانيتهما بالأولى، تعلق الجزاء بالشرط، ولم تكن مخلصة للشرط كإن، ولا عاملة مثلها، وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقًا، من حيث إفادتها في مضموني جملتيها، أن الثاني امتنع لامتناع الأول. افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علمًا على هذا التعلق، فزيدت هذه اللام لتكون علمًا على ذلك فإذا حذفت بعدما صارت علمًا مشهورًا مكانه، فلأن الشيء إذا علم وشهر موقعه، وصار مألوفًا ومأنوسًا به، لم يبال بإسقاطه عن اللفظ، استغناء بمعرفة السامع) (١).

وهناك وجه آخر ذكره الزمخشري، وملخصه أن الآية الأولى كانت في المطعوم، وهي قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: ٦٣، ٦٤] وهذه في المشروب، والمطعوم مقدم على المشروب.

والذي يظهر لي والله أعلم - أن ذكر اللام وحذفها كان لسرٍّ بديع. ذلك أن التأكيد إنما يأتي حيث يستوجبه المقام. ولما كان ظن الناس أنّ قدرتهم على الحرث وحفظ مزروعاتهم، أمر في متناول أيديهم وهو من السهولة بمكان، وليس كذلك إنزال المطر، أكد الأول ولم يؤكد الثاني. لأن إنزال المطر عذبًا ليس في طاقتهم قطعًا. لذا لم يكن في حاجة إلى تأكيد.

[٤ - البرازخ المائية]

وآخر النماذج من نماذج التفسير العلمي ما فسر به قول الله تعالى: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (١٩) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: ١٩، ٢٠].

قال الزمخشري {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} أرسل البحر المالح والبحر العذب متجاورين متلاقيين، لا فصل بين المائين في مرأى العين). بينهما برزخ حاجز من قدرة الله


(١) الكشاف ج ٤ ص ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>