قوله تعالى:{سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} اختلف المفسرون أهما الفضيحة وعذاب القبر أم غير ذلك (١).
إلَّا أن الاختلاف الذي كثر بين المفسّرين أقدمين ومحدثين كان في قوله سبحانه {لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} فلقد اختلفوا أولًا في هاتين المرتين من حيث زمانهما، أمَضَتْ هاتان المرتان كلتاهما أم لا؟ ثمَّ اختلفوا ثانيًا في تعيين هاتين المرّتين على الفرضَيْن: المضيّ أو عدمه.
ولشدّة هذا الاختلاف وكثرته نقَلَ الشيخ حسنين محمَّد مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق رحمه الله في تفسيره "صفوة البيان" عن الجبّائي أنّ الله لم يعيّن هاتين المرّتين، فليجتهد كلٌّ بما يترجَّح لديه.
وهكذا نرى أن أئمتنا المفسّرين رحمهم الله كانوا يحرصون على استنباط المعاني التي يرون أنها أقرب إلى مراد الله تبارك وتعالى.
أيهما يقدّم المعنى الشرعي أم اللغوي؟
ذكر الإمام الزركشي وغيره من العلماء -رحمهم الله - أن الآية إذا احتملت معنييْن شرعيًا ولغويًا قدمنا المعنى الشرعي على اللغوي. ويظهر أن هذا ليس على إطلاقه، فقد نقدّم المعنى الشرعي إذا كان يؤيده السياق، لكننا نقدّم المعنى اللغوي إذا لم يكن هناك محظور ولم يدلّ عليه دليل. وإليك الأمثلة:
١ - جاء في سورة التوبة آيتان الآية الأولى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[التوبة: ١٠٣] والآية الثانية: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة: ٨٤] فنحن نرجح المعنى اللغوي في الآية الأولى، فهؤلاء الذين أعطوا أموالهم خالصة لله وتطهيرًا وتزكية لنفوسهم يصليّ عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، والصلاة في حالة الحياة هي الدعاء. أمّا الآية الثانية فإنما تُحمل