للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قرره الأستاذ هنا نظريًّا، نجده ينعكس على فهمه للقرآن عمليًّا.

[٢ - عمق فهمه لكتاب الله]

هو ليس من هؤلاء، الذين لا حظ لهم إلا نقل الأقوال وجمعها. وإنما يظهر فهم الرجل ويبدو عمقه، وهو يعلق على أقوال المفسرين، مبينًا أن من واجب المفسر، أن يكون مدركًا لأساليب القرآن الكريم في الإطلاق والتقييد والعموم والخصوص.

يقول وهو يتكلم عن أسلوب القرآن (١): "إنه قد يرد تعبير في القرآن الكريم مطلق غير مقيد، ومحتمل لوجوه، والقرآن يقصد هذا الإطلاق وذلك التعميم، ويهدف إلى تلك الأوجه المختلفة لأنّها هي التي تناسب المقام، بل ربما أعطى ذلك الإطلاق في الآية حيوية وقوة في صلاحيتها لكل عصر، وبذلك لا يحتاج القرآن إلى قرآن آخر يعدله أو يبدله، أو يصيغه صياغة تساير تطور الحياة الإنسانية، وهذا ضرب من إعجاز القرآن وسر من أسرار خلوده. ثم يمثل لذلك بآيات ثلاث:

الأولى: قوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ}. فيذكر أقوال المفسرين التي تتلخص في أن (فوق) زائدة، أو أنها بمعنى (على) أو أنها بمعنى (دون) أو أنها على بابها وأراد الرؤوس التي فوق الأعناق. ثم يعقب على ذلك كله بقوله: "ونحن نقول: إن التعبير صالح لكل هذه الاتجاهات والمعاني، وهو الذي يناسب حال الحرب، فإن الضرب في القتال والحرب يكون كيفما اتفق، فالمراد الضرب في الأعالي، سواء أكان فوق الأعناق نفسها، أم على الرؤوس، أم في أي مقتل من المقاتل التي تبدأ من الأعناق فما فوق. وهذا أنسب بحال القتال، فإن المقاتل عسير عليه أن يتحرى فوق الأعناق أو الرؤوس، فإن الالتحام في القتال لا يتأتى فيه هذا التحري، ولا يناسبه التريث، حتى يصيب هدفًا بعينه، ولا سيما إذا كان الجيشان مختلفين عددًا وعدة".


(١) مجلة لواء الإسلام العدد الأول السنة الرابعة ص ٥٨ - ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>