هذه هي الطريقة الموصلة إلى التفسير الحق فيما نرى، وننظر بعد هذا في الأهداف التي يتجه إليها المفسر، فنقول: أنزل القرآن لمقصدين ساميين:
١ - هداية البشر إلى سبل السعادة في الحياتين الدنيا والآخرة.
٢ - دلالته على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيما ادعاه من الرسالة، التي هي مطلع تلك الهداية العامة، فكان أعظم معجزة وأخلدها على وجه الأرض.
فمن أراد تفسير القرآن، فليتجه إلى وجوه الهداية التي أرشد إليها من نحو العقائد والعبادات والأخلاق والآداب، وأحكام المعاملات، ويتجه مع هذا إلى الوجوه التي كان بها المعجزة الخالدة.
وقد تفاوت آراء المفسرين، في البحث عن وجوه هدايته، ووجوه إعجازه، على قدر تفاوتهم في العلم والفهم.
وتجاوز قوم حدود هذين الهدفين، وأطلقوا لأقلامهم العنان، فاستطردوا في التفسير مباحث لا يتوقف عليها فهم القرآن من حيث إنه هداية، أو مباحث لا يحتاج إليها في تقرير وجه من وجوه إعجازه، وإنما هي المسائل ترجع إلى علوم أخرى مستقلة بنفسها.
كنت يومًا في مجلس حافل، فقال أحد الحاضرين: إن القرآن نزل للوعظ والإرشاد، ولا يضره أن يوجد فيه ما يكون مخالفًا لقضايا بعض العلوم القطعية. فقلت: نحن نعلم أن القرآن الكريم لم ينزل لبيان الحقائق العلمية، التي يبحث عنها في مثل العلوم الطبيعية والرياضية، ولكنه إذا عرج في طريق هدايته، على شيء مما يبحث عنه أرباب هاتيك العلوم، عرفنا حق اليقين أنه لا يقول إلا حقًّا، ولا أرى هذا الرأي الذي أبديته إلا أنك فرضته فرضًا، إذ لا تستطيع أن تأتينا بمثال يرينا، كيف قرر القرآن شيئًا يخالف ما ثبت في العلوم اليقينية. وهنا انقطعت المحاورة بيني وبينه من ناحية المباحث العلمية" (١).