إذا كان القرآن قد تحدى العرب بلغته وبيانه، فإنه تحدى الناس جميعًا بنظمه وتشريعاته. وإذا كان القرآن قد نزل، واللغة العربية قد بلغت أشدها، واكتمل نضجها فإن الأمر صحيح كذلك، بالنسبة للقانون الروماني الذي كان أصلًا للأمم المتمدينة في ذلك العصر. ولقد أحدثت التشريعات القرآنية انقلابًا في شؤون الحياة على اختلافها، وإذا بالعرب أمة تتبوأ مركز القيادة البشرية، بفضل هذا القرآن، مما حدا بصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يستنبطوا من أحكامه ما هو ضروري لشؤون الحياة. ومن هنا كان اختلافهم في التفسير أكثر ما يكون في آيات الأحكام.
ثم انقضى العصر الأول، ولم تجرد آيات الأحكام على حدة. وبعد أن تعددت الدراسات القرآنية كان لدراسة الأحكام نصيب وافر. ويقال إن أول من كتب في تفسير آيات الأحكام الإمام الشافعي رضي الله عنه. ثم أخذ العلماء يكتبون حسب مذاهبهم، فتلونت الدراسات بتعدد المذاهب. وهذا لا يظهر عند الذين جردوا آيات الأحكام فحسب، بل عند الذين فسروا القرآن كله كذلك. ويظهر هذا جليًا في تفسير الرازي الشافعي، والألوسي الذي صار حنفيًا بعد أن كان شافعيًا (١).
(١) وسنعرض لهذا اللون عند حديثنا عن مناهج المفسرين إن شاء الله.