ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم، يفهمون آيات العقيدة دون تمحل أو تكلف، ذلك أن توجيهات القرآن كانت شعلة تتوقد في نفوسهم، تضيء لهم طريق الحياة وتنقذهم من كل حيرة ووهم. ولقد كانوا يندفعون بتلك العقيدة اندفاع الماء المتدفق، لتحيا به الأرض أو يسقاه الناس، أو اندفاع السهم من راميه ليصيب محازم الباطل. واستمر الأمر هكذا إلى أن ظهرت في البيئة الإسلامية فرق ومذاهب، وغدا كثير من الناس أحزاب متناحرة بالدليل تارة، وبالسيف تارة أخرى. ولجأت كل فرقة للقرآن تأخذ ما تؤيد به ما ذهبت إليه، وكثيرًا ما كانت تتكلف لذلك وتتعسف. وكان طبيعيًا أن يؤثر ذلك، وأن تنعقل عدواه إلى كتب التفسير. وهذا الذي كان وإذ بهذه الكتب كأنما هي ساحات واسعة ورحاب فسيحة تحتدم فيها المعارك الجدلية والآراء المختلفة.
ومما سعر تلك الحرب وأذكى نارها، وزاد أوارها، احتلال الفلسفات مكانة في البيئة الإسلامية وذلك كله يدركه لأول وهلة من يقرأ في تلك الكتب. فما على الإنسان مثلًا إلا أن يقرأ تفسير آية في مفاتح الغيب للإمام الرازي أو من كشاف الزمخشري ومن نقلوا عنه، كالبيضاوي وغيره، أو علقوا عليه كابن المنير أو الطيبي، ومن جاء بعد هؤلاء فإنه يواجه ذلك التشاحن، أو ذلك الترف العقلي في تفسير كثير من الآيات، بين الأشاعرة والشيعة، أو السلف وغيرهم من الفرق. وأكثر ما يكون هذا بين الأشاعرة والمعتزلة، فمن أبحاث الصفات إلى أفعال العباد، ومعنى الهداية والإضلال، والحسن والقبح، ووجوب شيء على الله أو عدم وجوبه، إلى بحث الرؤية وغيرها من المسائل الكثيرة. واستمر هذا ديدن المفسرين على اختلاف اتجاهات في التفسير، إلى زمن متأخر أدركه صاحب روح المعاني، فأدلى بدلوه كذلك.