للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متى صح بذلك الخبر، ولكنه نفى أن يكون ذلك لإثبات الرسالة، ولكنه لكشف الأذى أو لإجابة الدعاء أو لتثبيت أهل الإيمان ... إلخ، ولم يقع شيء فيها إجابة لمقترحات المشركين أو إقناعًا لهم بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ إن دعامة الإيمان في هذا الدين الإسلامي الحنيف الاستدلال العقلي السليم: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦]، وقالوا إن في ذلك جمعًا بين الأدلة التي نفت والتي أثبتت فيكون المراد بالنفي نفي الإقناع والاستدلال، ولكون المراد بالإثبات إثبات الوقوع من حيث هو، وهو مذهب حسن ورأي معقول لا حرج على قائله ولا الأخذ به، إذ كل ما هنالك تنزيه الإسلام عن أن يستخدم هذه الخوارق كنوع من أنواع الأدلة الإقناعية، وهو كذلك.

وقد أكثر جماعةٌ من إيراد المعجزات وتلمس الخوارق والتسليم بكل ما ورد من ذلك من طريق واه أو ضعيف بل موضوع، يريدون بذلك أن يستدلوا لعظمة هذا الدين وعظمة النبي الذي جاء به - صلى الله عليه وسلم - فأساءوا من حيث أرادوا الإحسان ودفعوا غيرهم إلى إنكار الخوارق جملة وللقَدْح فيها ولا لزوم لشيء من هذا، فإن هذا الدين عظيم متين بوضوح حجته واستقامة طريقه، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كريم أمين بما اختصه الله به من عظيم الفضائل وجميل الصفات وعموم البعثة وخلود الأثر:

{وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣] (١).

ونختم الحديث عن الشيخ البنا رحمه الله بكلام بديع جميل كتبه في تحليل نفسية النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال تحت عنوان:

[بحث تحليلي لنفس المصلح أو حال النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة]

أرأيت رجلًا سليم الفطرة طيب النفس ذكي الفؤاد خُلق لغيره لا لنفسه وأُعدَّ ليكون مصلحًا كريمًا زعيمًا فهو دقيق الحس دقيق الشعور ثائر العاطفة يقظ العقل


(١) ص ٣٤٣ - ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>