للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تمهيد]

{وَقَالوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: ٥٠ - ٥١].

حقًّا إنه آيات متعددة يجد كل باحث فيها بغيته وحاجته، فإذا وقف رجل البيان أمامها، يستجلي صورها التعبيرية وتراكيبها، وخصائص هذا التركيب، وجد معانيها تنساب كأنها جدول عذب يترقرق، وألفاظها تتسق كأنما هي نغمات عذبة تتدفق حيوية وجمال إيقاع. وإذا وقف أمامها عالم الفقه أو الاجتماع ليستجلي ما فيها من حكم وأحكام، وجد النظام البديع والقيم الإنسانية الخالدة، والأحكام التي لا يصلح النوع الإنساني إلا حينما يعيش في ظلالها، وإذا وقف أمامها الفيلسوف ورجل العقيدة وعالم الأخلاق والباحث في أسرار الكون، فإنها تمد هؤلاء جميعًا بقواعد مما يطلبون، أقصى مما تصل إليه نتائج أبحاثهم القائمة على أساس من البحث العلمي والمنطق الفلسفي، أما إذا أراد أن يعالجها من يتلمس فيها عوجًا ويتصيد مطعنًا، فإنه يرد خائبًا مدحورًا، ويرجع بخفي حنين خاسئًا وهو حسير.

وسأحاول إن شاء الله في هذا الباب أن أتتبع النص القرآني في تلك الجهود المختلفة التي بذلها أصحابها، وهم يستخرجون كنوزه، ويفجرون عيون ماء الحياة منه، ليرتووا ويرووا صدى النفوس، وظمأ الأفئدة. وبهذا يتسنى لنا، أن نتعرف على تلك القيم الأدبية والفقهية والعقدية التي تكمن في النص القرآني، كيف لا وهو كتاب الإنسانية الخالد. كما سأعرض كذلك إلى هؤلاء الذين أرادوا أن ينحرفوا بالنص القرآني عن مداره، ويخرجوه عن مساره فأبى عليهم، واستعصى دون ما أرادوه، ولن يستقيم ذلك أبدًا. ذلك أن النص القرآني في فلكه العلوي، يربأ عن التبديل في لفظه ومعناه، وماذا يكون حال الحياة إذا غير فلك من أفلاكها

<<  <  ج: ص:  >  >>