للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل بيانه لأسرار الطاء والسين، أحد هذه الشواهد الكثيرة، فهما طمأنينة وسلام مرة، ويشيران إلى سليمان والطير مرة، وهما الطلاسم ومفتاحها مرة ثالثة، لأنهما بشكلهما واجتماعهما يشيران إلى قفل ومفتاح، وفي الطاء عدا الطير ذكر صالح، وتطيّر قومه به، وذكر لوط ففي هذه كلها طاء، وتأتي النتيجة بالسين {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: ٥٩] وعن وصف الله بجمال خلقه.

ولا ينسى الشيخ طنطاوي هنا أن يهيب بالمسلمين، ليأخذوا العلوم من ذويها وأصحابها، فإن الهدهد قال لسليمان {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: ٢٢]، وشتان ما بين الهدهد وسليمان، فهل المسلمون اليوم خير من سيمان؟ وهل العلماء المحدثون أقل شأنًا من الهدهد؟ وهكذا يستمر الشيخ طنطاوي يحلق في هذه.

ولكن الشيخ يحافظ كل المحافظة على قدسية القرآن، ويقف عند حدود الغيب، فها هو عند ذكر بعض اللطائف، التي يذكرها عادة بعد التفسير اللفظي، يذكر اللطيفة الرابعة في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ} [النمل: ١٨]، (ويتساءل هل يتكلم النمل؟ وكيف يستمع سليمان؟ فيجيب بأن هذا جاء به الوحي فلا قول لنا فيه (١).

ولعلي إلى هنا أكون قد أعطيت فكرة واضحة موجزة، عن طريقة الشيخ ومنهجه وأسلوبه في التفسير، وذلك ليتسنى لي أن انتقل إلى الكلام عن بعض جزئيات التفسير.

[٤ - آراؤه في بعض مسائل التفسير]

[أ - رأي الشيخ في الحروف المقطعة في أوائل السور]

يقول الشيخ طنطاوي في معرض تفسيره لفاتحة سورة البقرة: (إن آلم في سورة البقرة، مفتاح العلوم في المستقبل، ومفتاح السياسة لأمم السلام، فقارئ القرآن لا يزال متربصًا أن يعرف معنى وسر (آلم)، فما يشعر إلا وقد فوجئ بنفس هذه


(١) الجواهر جـ ١٣ ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>