الحروف، في قصة الذين خرجوا من ديارهم فارين من الموت، وفي قصة طالوت وما تحمل من معاني تربية الأمم والشعوب، وهذا المقصد هو سر نصف الفلسفة، وهي الفلسفة العلمية، ثم ذكرت هذه الحروف في قصة إبراهيم، مع الذي حاجّه {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ}[البقرة: ٢٥٨]. مختصر القول وخلاصته أن (آلم) في أول البقرة، تشير إلى كل علم في الأرض، وكأنه قيل، تأملوا في الآيات التي في حيز (آلم) فالقارئ حين يقرأ في أول سورة البقرة، يفكر حالًا في كل جملة تقع بعد هذه الحروف، فيجد عجبًا عجيبًا مدهشًا، وسط جو من نظام الأسرة ونظام الأمة ونظام الطبيعة.
ويقول الشيخ في أول آل عمران في حديثه عن هذه الحروف -الحروف المقطعة:(هذه الحروف جعلها الله من الأسرار، التي توجب أن يتفكر بها الخلق تدريبًا لعقولهم، وتوجيهًا لنفوسهم إلى المعاني المختلفة التي تحتملها، فإن الكتب السماوية لهذا أنزلت، أنزلت لترمز تارة، وتصرح تارة أخرى، وتفتح للعقول مجال الفكر، والقرآن كأي كتاب سماوي يرمز تارة ويصرح تارة، والرمز والإشارة من المقاصد السامية والمعاني العالية، وقديمًا كان ذلك في أهل الديانات، ألم تر إلى اليهود كانوا يصطلحون فيما بينهم على أعداد الجمل، كذلك اتخذ النصارى الحروف رموزًا دينية معروفة فيما بينهم، وكانوا يرمزون بلفظ (أكسيس) لجملة، (يسوع المسيح ابن الله المخلص).
وتأمل هذه اللطيفة من الشيخ حيث يقول:(إن الله تعالى خلق العالم منظمًا محكمًا متناسقًا، والكتاب السماوي إذا جاء مطابقًا لنظامه موافقًا لإبداعه، سائرًا على نهجه، دل ذلك على أنه من عنده، وإذا جاء الكتاب مخالفًا لنهجه، منافرًا لفعله، منحرفًا عن سننه، كان ذلك الكتاب مصطنعًا مفتعلًا متقولًا مكذوبًا، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢]. والعالم المشاهد فيه عدد (٢٨) في مفاصل اليدين في كل يد (١٤)، وفي خرزات عمود ظهر الإنسان