ولكن هناك دراسات بيانية متخصصة، أفرغ فيها أصحابها إحساساتهم وعواطفهم وأفكارهم، وعلى رغم اختلافهم في تناول النص القرآني، وتعدد الجهات التي تناولها منه، إلا أنه يجمعهم إطار واحد، واتجاه واحد.
لقد تناول بعضهم القرآن، من حيث تلاؤم حروفه في كلماتها، وما تضفيه تلك الحروف من موسيقى صوتية خلابة، وتناوله بعضهم من حيث الأسلوب والإيجاز والوحدة بين أجزائه، وتناوله بعضهم من حيث ما فيه من تصوير فني وتجسيم محسوس، وإبراز لتلك الصور بشتى الوسائل، كما تناوله آخرون من ناحية أخرى، وهي تناول مفرداته من حيث هي مفردات، ومن حيث هي أجزاء في الجمل المركبة. وهكذا كل أخذ بنصيب مما يسره الله له. وسأحول ما استطعت أن أتحدث عن كل أولئك، موجزًا الحديث قدر الإمكان.
[١ - مصطفى صادق الرافعي]
إذا كنا نعد الشيخ محمد عبده أساس النهضة التفسيرية في هذا العصر، فإن الرافعي ولا شك أساس المدرسة البيانية، لقد وهب الله الرافعي كثيرًا من فضله، فلقد كان الرجل يملك من الإمكانات ما لم يتوفر للكثيرين، قلم أديب، وعقل عالم، وسمو روح، وإحساسًا مرهفًا، وقلبًا مؤمنًا. وكل ذلك جنده الرافعي رحمه الله، ليكون في خدمة كتاب الله. لأن ذلك إنما منحه من روح هذا الكتاب. لقد كان الرجل أمة، وكان تاريخ عصر بياني كامل لتلك الأمة، أراد الله له أن يعيش في عصر الفتنة بالغرب وكل آثاره الضارة، وكانت تلك الفتنة في شبابها. ويهيئ الله لها الرافعي، صاحب السمو الأدبي، الذي لا أشك كما لا يشك الكثيرون في أن نثره لو كان سهلًا سلسًا كشعره، لكان كاتب العربية في جميع عصورها وربما يرد