للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه لفتة أخرى من اللفتات البديعة يبين فيها جمال التعبير، وروعة الحكمة القرآنية، حيث التعبير في الماضي تارة، والمضارع أخرى في قوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} يرفع الإمام نقابها، لتسعد بها النفوس تألقًا وحسنًا، يقول: (ولقلة أوقات الظلمة عبر في جانبها بالمضارع المفيد للحاق الشيء، وعروضه متأخرًا عما هو أصل في نفسه، أما النهار فإنه يجلي الشمس دائمًا. من أوله إلى آخره وذلك شأن له في ذاته، ولا ينفك عنه إلا لعارض، كالغيم أو الكسوف قليل العروض، ولهذا عبر في جانبه بالماضي، المفيد لوقوع المعنى من فاعله، بدون إفادة أنه مما ينفك عنه) (١).

وفي تفسير قول الله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} يقول (أصل تركيب الآية، ولم يكن أحد كفؤًا له، ولكن قدم المجرور، لأن الحديث عن الله، وأشد الاهتمام إنما هو بتنزيهه، فقدم ضميره مع الجار في حيز الكون المنفي، ثم قدم المنفي نفسه وهو الكفؤ، لأن العناية موجهة إلى نفيه، وأخر من سلبت عنه المكافأة، لأنه لم يؤت به في الكلام، إلا لقصد تعميم النفي فقط، وإلا فقد كان يكفي أن يقال: وليس له كفؤ، لكن العبارة على ما في الآية أَبين وأجمل والله أعلم) (٢).

ولقد صار بعد ذلك يسر العبارة وسهولة المأخذ وبيان الجمال الفني، طبيعة في التفسير والمفسر، يظهر هذا فيما كتب بعده، لا لمن هم أكثر صلة به فحسب، كالشيخ رشيد والشيخ عبد القادر المغربي، اللذين سأتحدث عنهما عند مناهج المفسرين إن شاء الله، بل لغيرهم، وهم كثر بين كاتب ومحاضر، كالشيخ إبراهيم الجبالي رحمه الله، الذي فسر سورة النور وغيرها، بعبارة أدبية كاشفة، والشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والأستاذ عبد الوهاب حمودة، رحمهم الله.


(١) تفسير جزء عم للإمام ص ١٧٩.
(٢) تفسير جزء عم للإمام ص ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>