والمبشرين بل كانوا أسرع إجابة وأكثر تهافتًا، لقد زعم هؤلاء أن أحكام القرآن يمكن أن تترك لولي الأمر، ينفذ ما شاء ويترك ما شاء، وإن مثل قول الله:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ}[المائدة: ٣٨]، وقوله {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}[النور: ٢]، إنما يدل على تكرار العمل، فمن سرق أو زنى مرة واحدة لا يقام عليه الحد (١).
ولقد طلع أخيرًا على المسلمين بعض المنتسبين إلى العلم ممّن يزعم حلّ الربا إذا لم يكن أضعافًا مضاعفة، وجواز الفدية لمن كان قادرًا على الصوم، ولا يريد أن يصوم. كل هذا وغيره يذهب أدراج الرياح. وستبقى أحكام القرآن وتشريعاته منار الإنسانية كلها، والمنهل العذب الذي لن يجد الناس غيره، مرويًا لظمئهم الفكري والروحي والسياسي والاجتماعي.
[المبحث الثاني مدرسة الإمام والانحرافات في التفسير]
هذه أفكار مسمومة خرج أصحابها بهذه المطاعن، ولكنها لم تأخذ شكل التفسير إذا استثنينا كتاب أبي زيد الدمنهوري. وهناك كتب أراد أصحابها أن يلبسوها صبغة التفسير، وقبل أن أتعرض لها لا بد من الإشارة إلى أثر مدرسة الأستاذ الإمام في هذا النمط من التفسير. فلقد رأينا لهذه المدرسة آثارًا في اتجاهات التفسير على اختلافها، فهل يا ترى كان لها أثر كذلك في ظهور التفسير المنحرف؟ . هذا تساؤل أود أن أجيب عنه.
لا يشك أحد بأن للشيخ محمد عبده ومدرسته أعظم الأثر في تقريب فهم القرآن من القلوب، وتنقية التفسير من كثير من الشوائب، والابتعاد به عن جو الخرافات