كتب الأستاذ محمد فريد وجدي تفسيرين للقرآن الكريم، الأول:(صفوة العرفان في تفسير القرآن)، ١٣٢١ هـ، وبعد عامين أتبعه بتفسير آخر سماه:(المصحف المفسر)، وبينهما تشابه كبير، وكلاهما موجز، ووضع لكل تفسير مقدمة، كانت موجزة في (المصحف المفسر)، أما (صفوة العرفان في تفسير القرآن)، فجعل له مقدمة فلسفية كبيرة، امتازت بقوة التعبير ومتانته، وحسن السَّبْك والصياغة، ولِمَا تضمّنته من فوائد عظيمة، ومعاني عميقة، آثرتُ أن أوجزها هنا، حتى لا تفوت الفائدة على القارئ وبعد ذلك سنتحدث عن منهجه في التفسير.
أولًا: مقدمة (صفوة العرفان):
هذه المقدمة وضعها ليصل إلى مرمى وغاية، هي: دراسة الحوادث الجليلة التي قلبت شكل العقول والأفكار، وبدلت الأرض غير الأرض، والأمم غير الأمم.
لذا بدأ بإيراد موجز عن فلسفة الأديان والأدوار التي يمر بها الإنسان من حيث الاستسلام للعقيدة أو التردد فيها، وعلاقة ذلك بالجهل والعلم والحضارة والبداوة، وغير ذلك من الأسباب الأدبية والمادية، ليستطيع أن يجلي مركز القرآن للأذهان، ويظهر مقامه العالي بين مؤثرات العمران.
بدأ ببيان حال العرب حين نزل القرآن، فقد كانوا على أدنى الحالات الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية، من تشتتٍ وتنازع واشتغال بالحروب والغارات، وخشونة الملبس والمسكن، وجهل بالمعارف الإنسانية، وكيف نهضت الأمة نهضة الأسد حين نزل القرآن، وصارت أمة الأمم، وحيل بين القرآن والمسلمين اليوم، فتقهقرت الأمة، ونزلت إلى الحضيض، وكيف جعل المسلمون اليوم قراءة القرآن لمحض التبرك في المنازل، وللتحزن في سهرات المآتم، والاهتزاز للنغمات دون السبح في معانيه العالية، والسبب في بعد المسلمين عن القرآن هو عدم فهم مراميه