ثم إن العباد بنقص الخلقة وغلبة الطبع .. معرضون للتقصير في ظاهرهم وباطنهم في صور أعمالهم ودخائل أنفسهم - وخصوصا في باب الإخلاص - فذكروا بعلم ربهم بما في نفوسهم في قوله تعالى:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} ليبالغوا في المراقبة فيتقنوا أعمالهم في صورها ويخلصوا بها له. وهذه المراقبة هي الإحسان الذي هو عبادتك الله كأنك تراه.
وذكر اسم الرب لأنه المناسب لإثبات صفة العلم، فهو الرب الذي خلق النفوس وصورها ودبرها. ولا يكون ذلك إلا بعلمه بها في جميع تفاصيلها وكيف يخفى عليه شيء وهو خلقها؟ .
والصالحون في قوله تعالى:{إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ}، هم الذين صلحت أنفسهم فصلحت أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.
[ميزان الصلاح]
وصلاح النفس وهو صفة لها .. خفي كخفائها، وكما أننا نستدل على وجود النفس وارتباطها بالبدن بظهور أعمالها في البدن، كذلك نستدل على اتصافها بالصلاح وضده بما نشاهده من أعمالها.
فمن شاهدنا منه الأعمال الصالحة - وهي الجارية على سنن الشرع، وآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم - حكمنا بصلاح نفسه، وأنه من الصالحين.
ومن شاهدنا منه خلاف ذلك حكمنا بفساد نفسه، وأنه ليس منهم.
ولا طريق لنا في معرفة صلاح النفوس وفسادها إلا هذا الطريق. وقد دلنا الله تعالى عليه في قوله تعالى: