كانت النماذج السابقة جعلتنا نقف على أسلوب الرجل وطريقته، فإن من الضروري أن نتعرف إلى آرائه وأفكاره، بصفته من أبرز رجال مدرسة لها أثرها وخطرها في تفسير القرآن الكريم.
[بروز خصائص المدرسة العقلية في تفسيره]
لقد عشنا مع المغربي الأديب فلا بد أن نعيش كذلك مع المغربي العالم.
والناظر في تركة الشيخ من تراث قرآني يدرك لأول وهلة أنه كان أكثر تأثرًا بالشيخ محمد عبده، حتى من الشيخ رشيد، وبخاصة في توسيع دائرة العقل، ويتصل هذا التأثر بمدرسة الاعتزال، ومن خلال هذا التفسير سنلمح كذلك عدم عناية الشيخ بالسنّة، وتأويله كثيرًا من الآيات بالتمثيل، لتنسجم مع معطيات العلم الحديث.
أولًا: نزعته العقلية وتأثره بالاعتزال: يقص علينا الشيخ في مقدمته، أن اللجنة التي شكلتها مشيخة الأزهر لدراسة تفسيره قبل أن يطبع، كان من ملاحظاتها أنها وجدت عدة نقاط قررها بما يتفق مع مذهب المعتزلة، وقد اضطر إلى حذفها من تفسيره إلا أن آثار الاعتزال بقيت فيه وقد ظهر بعضها في النماذج السابقة.
أ- فهو عند تفسير قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣] يبين مذهب أهل السنّة، ومذهب المعتزلة في رؤية الله، ثم يقول بعد ذلك:(ويا ليت المسلمين أضربوا في صدرهم الأول، عن الاختلاف في أمثال هذه المسألة، مما كان الخلاف فيه لفظيًا أو فلسفيًا، أو لا تكون له نتيجة عملية، أو لا ينقض أصلًا من أصول الدين) وكان الأحرى بالشيخ أن يسير مع أهل السنّة لا على سبيل التعصب، ولكن لأن الآثار ترجح ما ذهبوا إليه، وأن ينحي باللائمة على المعتزلة، لأنهم هم الذين أثاروا مثل هذا الخلاف، ولم يظهر هذا الخلاف في الصدر الأول كما يدّعي.
ب- وإذا كان الشيخ قد تأثر بالمعتزلة بعامة، فإنه كشيخه الإمام تأثر بأبي مسلم