وهذا العمل يعكس لنا بحق وصدق مدى التأثير، الذي كان يسيطر على النفوس في هذه المسألة، ولا زال عند بعض من الناس. وما كان جديرًا بمثل هذه المسائل أن تنال من جهد العلماء وأوقاتهم، وأن تثير فيهم بواعث التعصب وكوامن التشدد، لا لأنها أمور لا تستحق البحث، فاستغفر الله من ذلك، ولكن لأننا إذا جرينا على الأسلوب العربي الذي جاء به القرآن، وعرفنا أن الصحابة رضوان الله عليهم، لم تثر في نفوسهم تلك الآيات أدنى ريبة وأقل شك ولو وجد لنقل عنهم. ولكنهم فهموا تلك الآيات فهم بيان يتفق مع أساليبهم في الكلام، وطرائقهم في التعبير.
لقد نهى الرسول عليه وآله الصلاة والسلام عن الجدل في كل ما لا يجدي، ومن ذلك أن يفكر المسلم في ذات الله. ولقد بلغ الرسول في هذا النهي. أقصى مراتب الحكمة، التي يمكن لمخلوق أن يتوصل اليها. فهذه الفلسفة اليونانية حينما سلكت ذلك المسلك، وقعت في حمأة الخيال، وتردت في أوحال الشذوذ. ولعل من الأسباب التي جعلت الغرب يتمرغ في أوحال الإلحاد، ويتنكس تلك النكسات، اقتفاءه الفلسفة اليونانية في أبحاثها، حيث ضلال الطريق. ولعل وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بعدم المراء في الدين، كانت الحصن الواقي للمسلمين، ردحًا من الزمن غير قصير، كي يحتفظوا بحرارة العقيدة كامنة في قلوبهم، تمدهم بشعلة الحق وإشعاعات النور. إن كلا الفريقين من العلماء سلفهم وخلفهم، هدفه سياج تلك العقيدة بأسلاك شائكة، حتى لا يحوم حولها مشكك.
[٥ - أبراز خصائص العقيدة]
إن مزج العقيدة بركام الفلسفات القديمة وبمعطيات الفكر الحديث، عكر وردها، وشوه كثيرًا من مفهوماتها وتصوراتها. فها هم الفلاسفة قديمًا يحاولون جادين أن يوفقوا بين مسلمات القرآن في العقيدة، ومقررات الفلسفة اليونانية. وهذا هو ابن سينا وقد حاول التوفيق فأخضع مسلمات القرآن المحكمة، لخلط الفلسفة