إن كثيرًا من مفسري العصر الحديث، يؤكدون سلفيتهم في تفسير القرآن، ولذا تجدهم يظهرون ذلك في تفاسيرهم، كما فعل صاحب المنار، ولعل هذه المسألة هي من أهم المسائل التي عولجت بعنف وشدة من كلا الطرفين. فهؤلاء يتهمون أولئك بالتجسيم، وأولئك يصفونهم بأنهم جهمية معطلة. ووصل التراشق بين الفريقين إلى ما هو أبعد من ذلك. فهذا عالم، ممن يشهد لهم، بالعلم والصلاح، وهو الشيخ محمود السبكي رحمه الله يؤلف كتابًا خاصًّا في تلك المسألة (اتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات) ردًّا على سؤال تلقاه (ما قول السادة العلماء حفظهم الله تعالى فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة، وأنه جالس على العرش في مكان مخصوص، ويقول ذلك هو عقيدة السلف، ويحمل الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد .. أهذا صحيح أم باطل؟ وعلى كونه باطلًا أيكفر ذلك القائل ... وما قولكم فيما يقوله بعض الناس من أن القول: نفى الجهات الست عن الله تعالى باطل، لأنه يلزم عليه نفي وجود الله تعالى؟ أفيدونا مأجورين مع بيان مذهب السلف والخلف في مثل قوله تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[فاطر: ١٠] وقوله {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وقول الرسول عليه وآله الصلاة والسلام (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا)، وحديث الجارية (١). ويجيب الشيخ رحمه الله منكرًا على هؤلاء مبينًا مذهب السلف والخلف، وينقل إجابات على مثل هذا السؤال لبعض علماء الأزهر، كالعلآمة الشيخ محمد بخيت المطيعي رحمه الله مفتي الديار المصرية، والشيخ اللبان وغيرهما، ولا يكتفي بذلك بل يأتي لكل آية من آيات الصفات، كالاستواء واليد والوجه والفوقية والذهاب والمجيء والنزول، وما ورد في الأحاديث من ذكر القدم والرجل ويأتي بأقوال المفسرين في كل صفة ابتداءً من ابن جرير، فمرورًا بابن الجوزي السلفي، ثم الرازي المتكلم إلى الشيخ محمد عبده.