للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لشديدة، ولم يسبق مولانا أحد إلى مثلها في الدفاع عن الإسلام، ولكن لي عليها أنكم توردون المسألة القطعية في العلم، ككروية الأرض ودورانها بعبارة فرضية تدل على شككم فيها، قال الشيخ الجسر: أنت تعلم تعصب الجاهلين بهذه العلوم في بلادنا، فلا نترك لهم مجالًا للقيل والقال. فقال السيد رشيد: إذا كان مثلكم في ثقة الأمة بدينه وعلمه لا يجرؤ على التصريح بالحقائق فممن نرجو ذلك؟ وكنت أود لو جعلتم لكل مسألة أو موضوع في الرسالة عنوانًا، فهي كمقالة واحدة لا أبواب فيها ولا فصول، ولا عناوين تسهل المطالعة والمراجعة، قال الشيخ: هذا كما قيل في الكلام المنسجم إنه كالماء الجاري، وإنه آخذ بعضه برقاب بعض. فقال رشيد: إذن لماذا جعل الله القرآن سورًا مفصلة منفصلة، ولم يجعله جملة واحدة؟ ).

ولقد استطاع رشيد أن يلم بمسائل العلوم المختلفة، وأن يكون له فيها قدم راسخة، ففي العلوم العقلية، يقرأ كثيرًا من كتب الكلام، كما يقرأ في علوم المنطق شرح القطب على (الرسالة الشمسية)، وهو في هذا الفن شيء يذكر، وقرأ من كتب الغزالي في هذا المجال كتابي (فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة) و (محك النظر) في المنطق. وفي العلوم النقلية لا يكتفي بالوقوف عند ظاهر الأحاديث مثلًا، بل نراه يمحص أسانيدها، والذي فتح له الباب - كما يقول - شرح الإحياء للزبيدي - رحمه الله - ولهذا كان أول من استحضر كتاب (ميزان الاعتدال) من الهند إلى طرابلس. ولقد ظهر أثر تلك الثقافة الواسعة في تفسيره فيما بعد.

[عبادته وتصوفه]

نشأ في حجر العبادة، فألفها وجدانه، ونشطت فيها أعضاؤه من الصغر فخفت عليه في الكبر، وكان من سن المراهقة، يذهب إلى المسجد في السحر ولا يعود إلا بعد ارتفاع الشمس. وقد اتخذ لنفسه حجرة خاصة في المسجد للعبادة والمطالعة. يقول: (كانت تلذ لي صلاة التهجد تحت الأشجار في بساتيننا الخالية

<<  <  ج: ص:  >  >>