وأفكر في صدق من قال (أهل الليل في ليلهم أنعم من أهل اللهو في لهوهم)، وقول آخر:(لو يعلم الملوك ما نحن فيه لقاتلونا عليه بالسيف). (نعم إن للبكاء من خشية الله، وتدبر كتابه في صلاة الليل، حيث يعلم المصلي أنه لا يسمع صوته أحد إلا الله، لذة روحية تعلو كل لذات الضحك واللهو على اختلاف أسبابها ... وكنت أقرأ ورد السحر ... وكنت إذا بلغت قوله في الجيمية:
ودموع العين تسابقني ... من خوفك تجري كاللجج
ولم يكن حضرني البكاء، أسكت فلا أقرأ البيت حياء من الله تعالى أن أكذب عليه ولما اشتغلت بالسنّة، وعلمت أن قراءة هذا الورد وأمثاله من البدع ... تركت قراءته، واستبدلت بها قراءة القرآن. وكنت أواظب على قراءة دلائل الخيرات ... ثم تركتها بعد اشتغالي بكتب السنّة، كما تركت ورد السحر، واستبدلت وردًا آخر في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس فيه شبهة بدعة من توقيت وجهر، وصيغ منكرة ومضاهاة للشعائر الموهمة للمأثور عن الشارع).
وقد حبب إليه التصوف كتاب الإحياء، الذي درسه عدة مرات، وكان يقرأ للناس فكان له أثر كبير في دينه وخلقه وعلمه وعمله. يقول الشيخ في بيان هذا الأثر:
(وللإمام الغزالي قدس الله روحه فضل عليّ في هذا، فإنه كان قد علق بنفسي من كلامه في شرح عجائب القلب، ما ضربه من المثل للفرق بين العلم الذي يصل إلى القلب أو النفس عن طريق الحواس، والعلم الذي يتفجر منه بتطهيره من الصفات المذمومة والأفكار الرديئة، حتى يكون كالمرآة الصقيلة بأن مثل الأول كالماء الذي يجري من السواقي المحفورة إلى حفرة أو بئر يجتمع فيه مع ما يحمله في طريقه من الغثاء والوحل، ومثل الثاني كماء الينبوع الدي يتفجر من الصخر النظيف. فقد كنت أتحرى أن يكلون قلبي طاهرًا ونفسي زكية لأكون مستعدًا للعلم الإلهامي). وقد درس كثيرًا من كعب المتصوفة، كما حفظ بعض قصائدهم، وقد