ولقد عرفوها بأنها: الجزم المطابق للواقع عن دليل. من هنا حرص المفسرون المحدثون على إبراز تلك الميزة للعقيدة، فهم لا يألون جهدًا كلما سنحت فرصة، أن يبينوا أن الإسلام دين العقل، الذي لا يتناقض مع مسلماته، ولا يختلف مع مقدماته ونتائجه حتى لقد بالغ بعضهم في ذلك، فكان من جملة المآخذ عليه، كما سيظهر ذلك عند الحديث عن منهج الإمام في التفسير إن شاء الله.
[٢ - عدم التعقيد وسهولة العرض ويسره]
وتلك هي في الحقيقة سنة القرآن، وطريقته وهو يعرض أمور العقيدة. لقد ذكر القرآن الألوهية والبعث وأخبار الأنبياء، وكان في ذلك كله داني القطوف سهل المسلك ميسر المعنى، فعرض قضية الوجود في ذكره لصحائف الكون، كأنما هي لوحة فنية تأخذ بالألباب. والرائع في ذلك أن الصحائف الكونية التي عرضها القرآن، ليست وليدة البيئة التي نزل فيها، ولا هي مما عرفته تلك البيئة فحسب كأطلال الشعراء ورسوم الديار والوحوش والفيافي، مما تحدث عنه الشعراء، بل كان عرض القرآن وحديثه شاملًا لهذا الكون كله، بما فيه من طبقات علوية ويابسة وماء. كل هذه المشاهد جاءت أدلة على عظمة الخالق ووحدانيته وقدرته (١).
(١) يرى بعض الأساتذة أنه ليس في القرآن آية واحدة جاءت دليلًا لوجود الله، لأن وجود الله أمر مرتكز في الفطرة، وما كان العرب ينكرون ذلك (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) ولكن إذا عرفنا أن القرآن حدثنا عن أناس، كانوا يقولون (ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر) وقرأنا مثل قوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون)، وعرفنا أن القرآن لم يأت للعرب وحدهم ولا لتلك الفترة فحسب، أدركنا أن القرآن عرض لتلك القضية المهمة.