مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: ٥ - ٧]. وكما ورد في آخر سورة يس وفي سورة الأعراف.
والملاحظ في هذه الأدلة القرآنية لإثبات العقيدة أنها ليست جافة تجريدية، وإنما هي كلها مما له صلة بهذا الإنسان، بل هي من أعظم النعم عليه. وإذا أردنا أن ندرك بوضوح مدى الفرق بين تلك الأدلة وأدلة المتكلمين فما علينا إلا أن نقرأ كتابًا كمواقف العضد، أو مقاصد السعد، أو طوالع البيضاوي أو مفاتح الرازي، فإننا سنجد الفرق الهائل بين كلا النوعين من الأدلة. فهذا ابن رشد في كتابه (الكشف عن مناهج الأدلة)(١) بعد أن يستعرض طرق البحث في إثبات وجود الله، ويذكر طريقة الحشوية التي تعتمد على السمع، وطريقة المتصوفة التي تعتمد على الإشراق، وطريقة الأشاعرة والمعتزلة التي تعتمد على العقل المجرد، يرد هذه الطرق ويقول:(إن خير طريقة هي الطريقة التي اتبعها القرآن، من حيث نبه إلى وجود أشياء لم تكن، وإلى الإبداع والتناسق بين الأشياء. فمن القسم الأول يمكن أن نكون دليلًا نسميه (دليل الاختراع)، ومن الثاني دليلًا نسميه (دليل العناية) والقرآن إذ يوجه العقول لكيفية الاستفادة من تلك الأدلة يحذرها من الخرافة والظن الذي لا يغني من الحق شيئًا، والتقليد الذي يحول بينها وبين الوصول إلى الحق.
ولقد رأينا المفسرين المحدثين، يحرصون على المنهج القرآني، في عرض مسائل العقيدة، ويتجنبون المناهج الأخرى، فينحون باللائمة على علماء الكلام، وعلى المفسرين الذين سلكوا في تفاسيرهم مسالك المتكلمين ولست بصدد مناقشة هذه القضية.