يشرح لنا السيد دروزة نهجه في تفسير الآيات الكونية، مبينًا أن الإسهاب فيما أوجز فيه القرآن، لا يدخل في غرض التفسير، فواجبنا أن نقف عند ما وقف عنده القرآن، أو الآثار النبوية الثابتة، بدون توسع وتزيد، لا طائل من ورائهما ويرى أن موضوعات بعض هذه الآيات، من المغيبات التي لا تصح إلا بأحاديث قطعية، متواترة تفيد العلم واليقين، ويعيب على الذين يميلون إلى استنباط الأسرار والفنون من القرآن، والتوفيق بينه وبين النظريات العلمية والفنية، ويرى في مذهبهم إغراقًا في التكلف والتزيد، بل والغلو، أكثر منه في نطاق الحقيقة، ويرى في مثل هذه المحاولات إخراجًا للقرآن الكريم، عن هدفه الوعظي والتذكيري، وتعريضًا له للتعديل والجرح، اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية، على غير طائل ولا ضرورة، ويبين أن كتب التفسير احتوت بيانات وأقوالًا، حول ماهية بعض المغيبات وأن هذه البيانات والأقوال ترجع إلى أسفار غير وثيقة، أو أخبار مقطوعة، لم تصل في سندها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فيستأنس بها.
[نماذج من هذا التفسير]
والشاهد على تفصيل هذا المنهج من تفسيره، يبدو جليًّا عند تناوله لسورة اللَّيل حيث يقول:"أما ماهية الطير والحجارة، فقد ذكر المفسرون القدماء في صددها أقوالًا، تجعل الحادث في نطاق الخوارق والمعجزات، ورووا فيما رووه أن مرضي الحصبة والجدري، ظهرا لأول مرة في الحجاز عقب الحادث، كأنما يريدون أن يقولوا بأن الطير رماهم بحجارة أصيبوا منها بأحد المرضين ... وقد أوَّل الإمام محمد عبده، بأن الحجارة كانت ملقحة بجرثومة الجدري، ولسنا نرى كبير طائل في تحقيق ماهية الحادث لذاته، لأنه خارج عن نطاق الهدف القرآني، ولكنا نقول: إن حرفية آيات السورة وظاهرها على كل حال، في جانب كون الحادث بلاءً ربانيًا خارقًا".
وعند تناوله لآيات سورة النور، يعلق على قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ