الفَصْلُ الثَّاني الرأي المختار في أسباب اختلاف المفسّرين
إذا كنا لا نقرّ الاختلاف في التفسير بالمنقول كما ذكره بعض الأفاضل أفنرجع اختلافات العلماء في التفسير كلها إلى اختلافهم في الرأي والاجتهاد؟ ليس الأمر كذلك. فهناك اختلافات ليس مبعثها الرأي والاجتهاد، بل مبعثها أمور أخرى وإليكم بيانها:
يرجع الاختلاف الذي ليس مبعثه الرأي إلى أنواع ثلاثة:
أولًا: الاختلاف فيما صحّ عن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثانيًا: الاختلاف الناشئ عن اختلاف القراءات الصحيحة.
ثالثًا: اختلافهم فيما مرجعه اللغة، وأعني بها احتمال الكلمة أكثر من معنى لغويّ.
أولًا: الاختلاف فيما صحَّ عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
وهذا النوع يكاد يكون غير موجود إذ لا يُعقل أن يصحّ حديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تفسير آية ثمّ يصحّ حديث آخر يناقضه ويعارضه، فمثل هذا لا يُقبل من آحاد الناس فكيف بمن لا ينطق عن الهوى؟ فإذا صحّ الحديث عن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم فلا يُعْدَل عنه إلى قول آخر. اللهم إلَّا إذا كان هذا القول الآخر لا يتعارض مع الحديث الصحيح. مثال ذلك ما ورد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تفسير الكوثر من قوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} من أنَّه نهر في الجنّة، وقد ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما - أنّ صيغة (الكوثر) تدلّ على الخير الكثير ومن هذا الخير النهر في الجنّة، فلا يطنَّنَ ظانٌ أن قول ابن عباس مناقض لقول