للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[السفر إلى مصر]

لقد رحل الشيخ رشيد إلى مصر، ولكن رحيله كان يختلف عن رحيل الكثيرين إليها، فهؤلاء إنما يرحلون طلبًا للعلم، ومن أجل الحصول على الشهادة. أما هو فقد رحل عالمًا مجازًا بل مؤلفًا. ومن هنا فتتلمذه للشيخ محمد عبده في رأيي وإن صحت تلك الكلمة، إنما هو تتلمذ احترام وتقدير، لا تلقٍ وتعليم. وأستاذية الشيخ له قد تكون أستاذية توجيه فقط. وفي مصر كانت حياة رشيد حافلة بالنشاط والكتابة والتأليف والخصومات الكثيرة. فقد أصدر مجلة (المنار) لبث آرائه في الإصلاح الديني والاجتماعي (١)، وأصبح مرجع الفتيا في التاليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة. ولما أعلن الدستور العثماني سنة (١٣١٦ هـ -١٨٩٩ م) زار بلاد الشام، واعترضه في دمشق وهو يخطب على منبر الجامع الأموي، أحد أعداء الإصلاح. فكانت فتن عاد على أثرها إلى مصر، وأنشأ مدرسة (الدعوة والإرشاد). ثم قصد سورية في أيام الملك فيصل بن الحسين، وانتخب رئيسًا للمؤتمر السوري فيها، وغادرها على أثر دخول الفرنسيين إليها سنة (١٩٢٠ م- ١٣٣٧ هـ) فأقام في وطنه الثاني مصر مدة، ثم رحل إلى الهند والحجاز وأوروبا، وعاد فاستقر بمصر إلى أن توفي فجأة في سيارة كان راجعًا فيها من السويس إلى القاهرة في ٢٣ جمادى الأولى عام ١٣٥٤ هـ الموافق ٢٢ أغسطس سنة ١٩٣٥ م ودفن فيها.

وقد قال الأستاذ الأكبر محمد مصطفى المراغي في حفل التأبين للسيد محمد رشيد رضا - رحمه الله ورضي عنه - كان فقيد الإسلام السيد محمد رشيد رضا محيطًا بعلوم القرآن، وقد رزقه الله عقلًا راجحًا في فهمه، ومعرفة أسراره وحكمه، واسع الاطلاع على السنة وأقضية الصحابة وآراء العلماء، عارفًا بأحوال المسلمين في الأقطار الإسلامية، ملمًا بما في العالم من بحوث جديدة، وبما يحدث من


(١) الأعلام للزركلي/جـ ٦ ص ٣٦١، الطبعة الثانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>