الدين إلى هذا القول الأخير لمناسبته لعقولهم وموافقته لفلسفتهم، فإنهم يشبهون حال الإنسان الذي عاش عمره في هذه الأرض غير مفكر إلا في شهواته وأطماعه المادية، ولم يقدم لنفسه عملًا روحانيًا، فلا جرم سيعيش في العالم الأخروي كما يعيش من لا رأس مال له في الدنيا، أي فقيرًا عاملًا يتعب وينصب طول عمره.
فأصحاب المال في الدنيا كأنهم في نعيم والفقراء في الدنيا كأنهم في جحيم، فتنقلب الحال في العالم الأخروي، وهذا تشبيه مع الفارق، لأن لهذا العالم شؤونًا غير شؤون العالم الأخروي.
هذا فكر بعض العصريين، والمؤمن يجب عليه أن يبرأ إلى الله من كل ظن لا يحققه بعلم يقين، عملًا بقوله تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[لإسراء: ٣٦] والأحوط أن يعتقد بالثواب والعقاب، ويكل تحقيق ذلك إلى مولاه، فهو ولي الكفاية.
رحم الله الأستاذ محمد فريد وجدي، حيث ثبت ولم ينزلق، وحوَّم ولكنه وقع على الحقيقة، فهو لم يذهب كما شطح غيره إلى إنكار النعيم المادي وغيره، ولقد عرضت لهذه القضية في الكتاب الأول عند حديثي عن الأستاذ عبد القادر المغربي رحمه الله، وهو من رجال مدرسة المنار، حيث ادعى بكل ما عنده من قوة عارضة وجزالة أسلوب بأن ما في القرآن الكريم من أخبار النعيم وما يتصل به ليس إلا تقريبًا للعقول، وسامح الله الشيخ المغربي ومن سار سيره.
[جمع القرآن]
بيّن مراحل جمع القرآن الكريم في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، وعثمان.
[القراءات]
ختم المقدمة بكلام موجز عن القراءات، فقال: لما نزل القرآن وحفظه الناس في صدورهم كانوا يقرأونه على وجوه مختلفة بحسب لغاتهم، وللعرب لغات