للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من المكثرين ابن عباس رضي الله عنهما]

وقد أجمعوا على أنه في مقدمة أولئك المكثرين، هذا الفتى الذي دعا له الوسول عليه وآله الصلاة والسلام، وهو سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو ترجمان القرآن، وهو الحبر والبحر لكثرة علمه. فإمامته لم تقتصر على التفسير فحسب بل هو من المكثرين في الحديث كذلك، وفي الفقه له يد طولى، وفي أشعار العرب وأقوالهم له قدم راسخة، ينمي ذلك كله حدة ذكاء وعظيم فهم ونور ساطع في عقله وقلبه.

ولا غرابة في ذلك، فلقد هيئت لفتى مكة أسباب عديدة جعلته يتربع على كرسي الأستاذية في هذه العلوم كلها وبخاصة التفسير. ولو لم يكن من هذه الأسباب إلا دعاء الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، لكان كافيًا له أن يكون هكذا. وإذا أردنا أن ندرك فهم ابن عباس رضي الله عنهما فما لنا إلا أن نرجع لبعض تفسيراته. وأذكر من هذه التفسيرات على سبيل المثال تفسيره لقوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [البقرة: ١٣٢٦٦] (١)، فقد روى البخاري: أن عمر رضي الله عنه قال يومًا لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيم ترون هذه الآية نزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} قالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: (في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين) فقال عمر: (يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك). قال ابن عباس (ضربت مثلًا لعمل) قال عمر: (أي عمل؟ ) قال: (لرجل غني يعمل بطاعة الله عز وجل، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله) (٢)، وكذلك تفسيره لسورة النصر في قصة شهيرة مع عمر رضي الله عنه وهي ما رواه ابن عباس قائلًا: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكان بعضهم وجد في نفسه. فقال لِمَ يدخل هذا معنا


(١) ثلاثًا وثلاثين رواية.
(٢) البخاري جـ ٦ ص ٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>