الأمور وصغائرها حتى غدت الغاية في حياتها، فتناست هموم الأمة فتناساها الناس. وإذا نظرنا نظرة فاحصة في التاريخ، وجدنا العظماء من أمثال الشافعي وأبي حنيفة مرورًا بالغزالي، والعز بن عبد السلام، وابن تيمية إلى عصر المنار هم الذين يتوارثون ويورثون الخير النافع للناس.
[نشأته العلمية]
تعلم مبادئ القراءة في بلده، ثم دخل المدرسة الرشيدية في طرابلس حيث تلقى مبادئ العلوم الشرعية والعقلية واللغوية، ثم دخل المدرسة الوطنية عام (١٣٠٠ هـ ١٨٨٣ م) وكان فيها نخبة من العلماء، وكانت الغاية من تلك المدرسة الجمع بين العلوم الدينية والعلوم العصرية، وكان الذي يديرها ويشرف عليها، عالمًا شهيرًا، هو الشيخ حسين الجسر، صاحب الرسالة الحميدية، وقد تلقى عنه السيد رشيد العلوم العربية والشرعية والعقلية، كما تلقى فقه الشافعية والحديث على الشيخ محمود نشابة، وهو من تلاميذ الشيخ الباجوري - رحمهما الله - ودرس على الشيخ عبد الغني الرافعي - رحمه الله - قليلًا من (نيل الأوطار) للشوكاني، واستفاد كثيرًا من معاشرته في العلم والأدب والتصوف كما درس بعض علوم الحديث على الشيخ الصالح محمد القاوقجي.
هؤلاء هم بعض أشياخ رشيد، توسموا فيه جميعًا اليقظة الفكرية وقوة العارضة في الحديث، فكانت عنايتهم به خاصة، حتى إن الشيخ الجسر كان يقول لبعض المدرسين الذين كان يجلس إليهم رشيد في بعض الأحيان، يستمع منهم ويناقشهم:(دعوا هذا، إنه لا يقدر أحد أن يقرأ له غيري) ولقد قال له يومًا في أثناء شرح الدرس (لا تسألني في الدرس عن شيء، فإن كل ما أعرفه أقوله، ولا يبقى عندي غيره).
ومما يدلنا على قوة شخصيته، أن الشيخ الجسر خصه دون زملائه الطلاب، فأهداه كتاب (الرسالة الحميدية) ثم سأله رأيه فيه، فأجاب: إن الحاجة إليها