[المبحث الأول التفسير الفقهي في العصر الحديث ومميزاته]
واستمرت تلك الطريقة في دراسة آيات الأحكام، إلى عصر الشيخ محمد عبده رحمه الله، فكان لا بد من أن يغير المنهج، وأن تدرس الأحكام دراسة بعيدة عن التعصب المذهبي، تتجلى فيها حكمة التشريع، ويظهر من خلالها الإعجاز التشريعي للقرآن، ويرد فيها على الشبهات التي يثيرها خصوم الإسلام حول أحكامه وتشريعاته، وهذا يظهر جليًا عند استعراض تفسير آية من آيات الأحكام في تفسير المنار.
إن في القرآن ثورة كبرى من التشريعات المدنية والجنائية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولقد وجه المفسرون المحدثون عنايتهم لإبراز هذه التشريعات في ثوب ناصع جديد. وسأقتصر هنا على ذكر نوعين، وهما التشريعات الاجتماعية والسياسية. ولا بد قبل التعرض لهاتين القضيتين، من أن أشيد بما لفضيلة الأستاذ محمد أبي زهرة -رحمه الله- من جهد مشكور ونتاج طيب في هذا المجال، فلقد حرص الأستاذ جزاه الله خيرًا على أن يبرز عظمة التشريع في كثير من كتبه ومقالاته في بعض المجلات الإسلامية تحت هذا العنوان (شريعة القرآن دليل على أنه من عند الله).
ولقد أسهم علماء كثيرون كذلك في تجلية هذا الموضوع، كالشيخ شلتوت رحمه الله، والأستاذ أبي الأعلى المودودي وأستاذنا المرحوم محمد يوسف موسى، والدكتور مصطفى السباعي رحمه الله وغيرهم. وستبقى التشريعات القرآنية المنهل العذب الذي لا يذهب ظمأ هذه الأمة سواه.