للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - الحكم بما أنزل الله]

لعل هذه المسألة هي كبرى المسائل، فالمسلمون، وقد ورثوا كثيرًا من العادات والتقاليد عن غيرهم، وزين لهم عدوهم تلك العادات، انسلخوا عن حكم القرآن. وفي القرآن آيات كثيرة تعرض على المسلمين أن يحكموا بما أنزل الله، وتندد بالذين يأبون الانصياع لهذا الحكم وتهددهم، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: ٦٠] إلى قوله {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [لنساء: ٦٠ - ٦٥].

ومثل الآيات من سورة المائدة التي تختم بقوله تعالى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠] ومثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} [المجادلة: ٢٠] عدا آيات كثيرة تحدثت عن تشريعات خاصة، وعن عقوبات بعض الجرائم.

وبحكم صلة المسلمين بغيرهم، وكون تلك الصلة صلة الضعيف بالقوي، الذي يريد أن يفرض سلطانه وفكره بدأ المسلمون يعيشون حياة مزدوجة فهم مسلمون عبادة وعقيدة، مبتعدون عن الإسلام حكمًا ونظام حياة، فكان لا بد أن يعالج المفسرون هذه المسألة، لذا نراها شغلت كثيرين منهم، حتى قبل النهضة التفسيرية الحديثة، ومثار هذا الجدل ليس حول ما جد من الأحكام فحسب، بل حول أصل الحكم وحكم تاركه. فإذا قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، فهل هذا في شأن أهل الكتاب ولا يصدق إلا عليهم، أم هو في شأنهم ويصدق على المسلمين؟ أم هو عام يدخل فيه أول ما يدخل هذه الأمة؟ وإذا كان كذلك فهل هو الكفر الذي يخرج عن الملة؟ أم هو دون ذلك؟ كل هذه بحثها المفسرون حتى قدماؤهم ولا بد هنا من أن نستعرض بعض الآراء في ذلك، لنرى العناية بتلك المسألة من جهة، وكيف تطور البحث فيها من جهة أخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>