يشاء الله أن يكون لأفراد من الناس أثر كبير وشأن عظيم، وربما يكون هذا نتيجة لعوامل متعددة: كالاستعداد الفطري، وتوافر الظروف، وإتاحة الفرص. ومن هؤلاء الأفراد كان الشيخ المفسر الإمام محمد عبده، والده عبده بن حسن خير الله، تركماني الأصل من قرية محلة نصر بمركز شبراخيت بمديرية البحيرة، بمركز السنطة، مديرية الغربية. وتردد على حصة بشير (مركز طنطا). وهناك تزوج بامرأة، يقال إن نسبها يتصل بعمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومن هذين الأبوين ولد الشيخ الإمام محمد عبده عام ١٨٤٩ م/ ١٢٦٦ هـ.
ثم عاد والده إلى محلة نصر حيث كبر الطفل وترعرع، وقد أولاه أبوه عناية خاصة، فتعلم القراءة والكتابة في البيت. وحفظ الغلام القرآن على معلم خاص به في عامين اثنين. ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بطنطا عام (١٢٧٩ هـ ١٨٦٢ م) حيث أتقن تجويد القرآن في عامين وكان آنذاك في الخامسة عشرة، ولكنه صمم بعد ذلك على ترك الدراسة والرجوع إلى بلده، ليعمل مزارعًا، وذلك لأنه لم يتمكن من استيعاب شيء من الدروس. ولكن رغبة والده كانت على العكس من ذلك، لذا نراه يرغم ولده على الرجوع إلى طنطا، على الرغم أنه كان قد مضى على زواج محمد عبده أربعون يومًا.
وهنا تتدخل العناية الإلهية، فقد هيأ الله له رجلًا صالحًا من أخوال أبيه هو الشيخ درويش خضر - وكان متصوفًا ملمًا ببعض أنواع العلوم - وهو الذي استطاع أن يحبّب للشيخ طلب العلم. فعاد إلى طنطا تدفعه الرغبة، وكل همه أن يزداد علمًا. فقضى أربع سنين أتم خلالها الدراسة في الجامع الأحمدي.