يكون للاستئناس فيما ورد به الكتاب العزيز، إذا عرفنا هذا زالت شبهة التعارض المتوهمة بين الحديثين، وأصبح من الممكن الجمع والتوفيق بينهما.
ولكن هل كان الصحابة رضوان الله عليهم مولعين بهذه الإسرائيليات، كما يحلو لبعض المستشرقين ومن افتتن بهم أن يصوروه ويضيفوا إليه هالات، كي يظهروه حقيقة من الحقائق، زاعمين أن كثيرًا من أعلام الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو حتى عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، كانوا يكثرون النقل عن أهل الكتاب، بل يعدون الكثير من أعلام الصحابة تلاميذ لأولئك مثل كعب وغيره. ولكننا عندما نناقش الأمر مناقشة علمية هادئة، نرى أن تلك فرية بعيدة عن الصواب والسداد. فهل يمكن لمن تتلمذ لسيد الخلق عليه وآله الصلاة والسلام أن يتتلمذ لكعب وأمثاله؟ وهل يليق بهؤلاء وقد كانوا يتربعون على كرسي الأستاذية بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجلسوا على كرسيهم هذا من هو دونهم؟ فأبو هريرة مثلًا يروي عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام ما يزيد على خمسة آلاف وأربعمائة حديث، وهي علم غزير يؤهل صاحبه لأن يقضي عمره كله مهما طال، ليفيد الناس بهذا العلم. وابن عباس كذلك الذي دعا له الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالفقه وعلم التأويل، حري به أن لا ينصرف عن أسباب هذه الدعوة.
ولقد مر معنا نهي ابن عباس رضي الله عنهما الناس عن سؤال أهل الكتاب، فكيف ينهى عن شيء ويقدم عليه؟ ذلك أمر لا يتناسب مع الخلق والدين لإنسان عادي، فضلًا عن ابن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة. ولكنها إثارات الحاقدين أمثال جولد زيهر اليهودي ومن افتتن به فأخذ عنه بسوء قصد أو سوء تصرف ومن المفيد أن ننقل هنا ما ذكره جولد زيهر وغيره، حول تأثر ابن عباس بأهل الكتاب.
[ما ذهب إليه جولد زيهر والأستاذ أحمد أمين]
يقول جولد زيهر: وأجدر من ذلك بالتصديق الأخبار التي تفيد أن ابن عباس لا يرى غضاضة أن يرجع في الأحوال التي يخامره فيها الشك إلى من يرجو عنده علمها.