فيه من الاختصار، والحذف والإضمار، والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير، وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية، كثر غلطه، ودخل في زمرة من فسّر القرآن بالرأي.
فالنقل والسماع لا بدَّ منه في ظاهر التفسير أولًا، ليتقى به مواضع الغلط، ثم بعد ذلك يتَّسع التفهمُّ والاستنباط.
[رأي الشاطبي]
يقول الشاطبي: إعمال الرأي في القرآن جاء ذمه، وجاء أيضًا ما يقتضي إعماله. وحسبك من ذلك ما نقل عن الصديق، فإنه نقل عنه أنه قال -وقد سئل في شيء من القرآن "أيُّ سماء تظلُّني، وأيُّ أرض تقلني، إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ " وربما روى فيه: إذا قلت في كتاب الله برأيي، ثم سئل عن الكلالة المذكورة في القرآن، فقال: أقول فيها برأيي، فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان. الكلالة كذا وكذا" فهذان قولان اقتضيا إعمال الرأي وتركه في القرآن. وهما لا يجتمعان.
والقول فيه أن الرأي ضربان:
(أحدهما) جار على موافقة كلام العرب وموافقة الكتاب والسنة. فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما؟ لأمور.
١ - أن الكتاب لا بد من القول فيه، ببيان معنى، واستنباط حكم، وتفسير لفظ، وفهم مراد، ولم يأت جميع ذلك عمن تقدم، فإما أن يتوقف دون ذلك فتتعطل الأحكام كلها أو أكثرها، وذلك غير ممكن فلا بد من القول فيه بما يليق.
٢ - أنه لو كان كذلك للزم أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- مبينا ذلك كله بالتوقيف، فلا يكون لأحد فيه نظر ولا قول، والمعلوم أنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك، فدل على أنه لم يكلف به على ذلك الوجه، بل بين منه ما لا يوصل إلى علمه