للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا به، وترك كثيرًا مما يدركه أرباب الاجتهاد باجتهادهم، فلم يلزم في جميع تفسير القرآن التوقيف.

٣ - أن الصحابة كانوا أولى بهذا الاحتياط من غيرهم، وقد علم أنهم فسروا القرآن على ما فهموا، ومن جهتهم بلغنا تفسير معناه، والتوقيف ينافي هذا بإطلاق القول بالتوقيف والمنع من الرأي لا يصح.

٤ - أن هذا الفرض لا يمكن؛ لأن النظر في القرآن من جهتين: من جهة الأمور الشرعية، فقد يسلم القول بالتوقيف فيه وترك الرأي والنظر جدلًا، ومن جهة المآخذ العربية، وهذا لا يمكن فيه التوقيف، وإلا لزم ذلك في السلف الأولين، وهو باطل، فاللازم عنه مثله. وبالجملة فهو أوضح من إطناب فيه.

(وأما الرأي) غير الجاري على موافقة العربية أو الجاري على الأدلة الشرعية فهذا هو الرأي المذموم من غير إشكال، كما كان مذمومًا في القياس أيضًا، حسبما هو مذكور في كتاب (١) القياس؛ لأنه تقول على الله بغير برهان، فيرجع إلى الكذب على الله تعالى. وفي هذا القسم جاء من التشديد في القول بالرأي في القرآن ما جاء، كما روى عن ابن مسعود: (ستجدون أقوامًا يدعونكم إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم. فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وعليكم بالعتيق). وعن عمر بن الخطاب (إنما أخاف عليكم رجلين: رجل يتأول القرآن على غير تأويله، ورجل ينافس الملك على أخيه) وإنما هذا كله توقٍ وتحرزٌ أن يقع الناظر فيه في الرأي المذموم، والقول فيه من غير تثبت، وقد نقل عن الأصمعي -وجلالته في معرفة كلام العرب معلومةٌ- أنه لم يفسر قط آية من كتاب الله، وإذا سئل عن ذلك لم يجب: انظر الحكاية عنه في الكامل للمبرَّد (٢).


(١) راجع المسألة الثانية في القياس من كتاب الأحكام للآمدي.
(٢) الكامل للمبرد (٢/ ٩٢٧)، (٣/ ١٤٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>