متسلسل إلى لفظ معبر، إلى تعبير مصور، إلى تصوير مشخص، إلى تخيل مجسم، إلى موسيقى منغمة، إلى اتساق في الأجزاء، إلى تناسق في الإطار، إلى توافق في الموسيقى، إلى تفنن في الإخراج، وبهذا كله يتم الإبداع، ويتحقق الإعجاز (١).
[القصة في القرآن]
وحينما يعرض للقصة في القرآن، ويذكر أغراضها الدينية، يقفي على ذلك بالخصائص الفنية للقصة في القرآن. ويذكر من هذه الخصائص: تنوع طريقة العرض، وتنوع المفاجأة والفجوات بين المشهد والمشهد، ليتأمل السامع، أما الخصيصة الرابعة وهي أهم هذه الخصائص. فهي التصوير في القصة، سواء أكان هذا التصوير، لقوة العرض أم العواطف والانفعالات أم رسم الشخصيات. فمثلًا نجد أن بداية القصة في القرآن، تتفق فنيًّا مع المشهد الأخير لنهاية كل قصة. فهذه قصة موسى عليه السلام، ذكرت آخر ما ذكرت في سورة المائدة، حينما وصل بنو إسرائيل إلى التيه وكان هذا آخر نبأ سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام.
أما في تصوير العواطف والانفعالات، فأكتفي بمثال واحد مما ذكره، ولنستمع إليه وهو يحدثنا عن قصة مريم عليها السلام.
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} [مريم: ١٦ - ١٧] فها هي ذي في خلوتها، مطمئنة إلى انفرادها، يسيطر على وجدانها ما يسيطر على الفتاة في حمامها، ولكن ها هي ذي تفاجأ مفاجأة عنيفة، تنقل تصوراتها نقلة بعيدة، ولكن بسبب ما هي فيه أيضًا، {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: ١٧ - ١٨] إنها انتفاضة العذراء المذعورة يفجؤها رجل في خلوتها فتلجأ إلى استثارة التقوى في نفسه (إن كنت تقيا).