كان بهاؤها وجمالها تغطيهما بعض ظلال ذلك العصر، التي عملت على تكوينها ظروف كثيرة.
[أمثلة من هذه الجهود]
هذا هو التفسير البياني، وكنت أود أن أمثل لكل طور من الأطوار، لكن ذلك يطول، وأكتفي هنا بالإشارة إلى بعض المواضع. فها هو ابن تيمية يبرز لنا سر التعبير في كلمة (زرتم)، من قول الله تعالى:{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر: ٢] هذا التعبير الذي تقول عنه الدكتورة عائشة عبد الرحمن، بأنها كانت سباقة في إبراز جماله، ولم تر أحدًا من المفسرين قد أشار إليه. ولنقرأ مثلًا لابن القيم تفسيره لسورة (الضحى) في كتابه أقسام القرآن و (الكافرون) في كتابه بدائع الفوائد وغير ذلك، ولننظر إلى ما يقوله في كلمتي (الإنس والجن)، كيف تقدم إحداهما تارة وتؤخر أخرى، وعن (المشرق والمغرب) واستعمالهما في حالة الإفراد والتثنية والجمع، وعن ختم بعض الآيات، ولا يفوتني هنا أن أذكر أن السيوطي رحمه الله جمع طائفة لا يستهان بها من هذه التفسيرات.
فإذا تركنا هؤلاء إلى الشهاب، وجدناه يحدثنا عن سر ترتيب بعض آي القرآن لفظًا ومعنى، نقرأ هذا في أواخر سورة الطور، التي ذكرت فيها (أم) خمس عشرة مرة ويأتي صاحب روح المعاني ليطلعنا على كثير من هذه اللفتات القرآنية، منها تقديم حرف في سورة، وتأخيره في أخرى وهذا مما له سر وهدف.
[جهود أخرى في البيان القرآني]
وليس المفسرون والكاتبون في الإعجاز وحدهم، هم الذين عرضوا للبيان القرآني، والحق يقال إن البيان القرآني الغزير ذا الفوائد الجمّة الكثيرة، عرض له غير هؤلاء من الأدباء واللغويين والمتكلمين، ومن هؤلاء الأخوان: المرتضى والرضي.