وبعد هذه الملحوظات التي ذكرتها، أرى أن أذكر مناقشة بعض الكتاب للشيخ الذهبي -رحمه الله- في كتابه:
أولًا: الدكتور إبراهيم خليفة:
عند الحديث عن الفرق بين التفسير والتأويل يقول الذهبي:(والذي تميل إليه النفس من هذه الأقوال هو أن التفسير ما كان راجعًا إلى الرواية، والتأويل ما كان راجعًا إلى الدراية وذلك لأن التفسير معناه الكشف والبيان، والكشف عن مراد الله تعالى لا نجزم به إلا إذا ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو عن بعض أصحابه الذين شهدوا نزول الوحي وعلموا ما أحاط به من حوادث ووقائع، وخالطوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجعوا إليه فيما أشكل عليهم من معاني القرآن الكريم. وأما التأويل فملحوظ فيه ترجيح أحد محتملات اللفظ بالدليل، والترجيح يعتمد على الاجتهاد ويتوصل إليه بمعرفة مفردات الألفاظ واستنباط لغة العرب واستعمالها بحسب السياق، ومعرفة الأساليب العربية ومدلولاتها في المعاني من كل ذلك ..
يقول الدكتور إبراهيم: ما قاله الشيخ -رحمه الله- سواء في التفسير وفي التأويل جميعًا غير متجه عندنا. أما التفسير فحتى لو سلمنا له قضيّة اشتراط الجزم في الكشف عن مراد الله تعالى فإن ذلك لا يتوقف على كونه من طريق الرواية، بل يمكن أن يتحقق الجزم كذلك من قطع العقل بتعيين المعنى، واستحالة إرادة غيره من الكلمة أو الجملة القرآنية، كما في قوله تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)} وقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} إلى غير ذلك من الآيات المتكاثرة التي يقطع العقل بتعين معناها ويحيل إرادة غيره، كما يمكن أن يتحقق الجزم أيضًا من ظهور المعنى بنفسه بأن يكون اللفظ نصًّا فيه لا يحتمل غيره، فما ظنك واشتراط مثل هذا الجزم مما لا يسلم لقائله أصلًا، بل إن تيسر لنا في بعض المفردات أو التراكيب فذاك، وصح لنا حينئذ