للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القطع بإرادة المعنى من الكلمة أو العبارة، إما من الطريق الذي ذكره أو من الطريق الذي ذكرنا، وإلا فَلَنا أن نفسر بغلبة الظن، غاية الأمر أنا لا نقطع حينئذ بكون المعنى هو المراد لله تعالى، وبالتالي لا نطلق عبارة تفيد مثل ذلك القطع، بل نقول إنا لو طبقنا قانون أهل الأصول الذي لا يسع منصفًا أن يدفعه لرأينا أن الطريق الذي ذكره لتحقيق الجزم، وهو الرواية لا يمكن أن يحقق الجزم أيضًا، اللهم إلا في حال واحدة هي أن تكون الرواية قطعية الثبوت في نفسها بأن تكون قرآنًا أو حديثًا متواترًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو مما وقع عليه الإجماع من الصحابة والتابعين من غير نكير ...

أما التأويل فما كنا لنسلم له أصلًا أن كل دراية يجب أن تعد تأويلًا، حتى لو كانت مما يقطع به العقل أو يعينه كون اللفظ نصًّا لا يحتمل غير معناه بوجه من الوجوه، أو حتى يرجحه كون اللفظ ظاهرًا في معناه، ولم تقم قرينة توجب صرفه عن هذا المعنى حتى يصرف عنه، بل الوجه عندنا ولا نحسبه إلا عند كل منصف كذلك أن يعد هذا كله من قبيل التفسير، وأن يقصر التأويل على ما يكون استنباطه من اللفظ مفتقرًا إلى مزيد من إعمال الفكرة وإنعام النظرة أو يكون مما يستعصي دركه مع ذلك، وإنما يأتي صاحبه من طريق الفيض وإلهام منزل القرآن، لا ما يكون إدراكه على طرف الثمام غير محتاج إلى بذل شيء من التأمل أصلًا) (١).

ويقول الدكتور إبراهيم بعد أن ينقل كلمة لجولدزيهر وهي قوله: (كذلك يصدق على القرآن ما قاله في الإنجيل العالم اللاهوتي التابع للكنيسة الحديثة بيترفيرتفلس: "كل أمرئ يطلب عقائده في هذا الكتاب المقدس، وكل امرئ يجد فيه على وجه الخصوص ما يطلبه" يقول: فكل تيار فكري بارز في مجرى التاريخ الإسلامي زاول الاتجاه إلى تصحيح نفسه على النص المقدس، وإلى اتخاذ هذا النص سندا على موافقته للإسلام، ومطابقته لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام) (٢).


(١) دراسات في مناهج المفسرين (١/ ٢٣).
(٢) التفسير والمفسرون ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>