للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إنني على يقين أستند به إلى كل ما سطره الشيخ في كتبه بأنه يؤمن بوجود الملائكة كما يؤمن كل مسلم، لكن الذي أراده هنا -وكنا نود أن لا يكون- هو التمثيل: تمثيل ما ورد في الآيات الكريمات، فلا يجوز أن نفتئت على الشيخ وأن نتجاوز الحدّ، وما أعظمها كبيرة أن يقال: هل يريد الشيخ أن يكذب القرآن؟ ويعلم الله أننا نتمنى أن يكون عند الكثيرين ممن ينتسبون إلى العلم غيرة كغيرة الأستاذ الإمام على هذا الدين وكتابه، وعلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يكون لهم فهم يشبه فهمه لدين الله.

[ب- إحياء الموتى في تأويلات الإمام]

ذكرت بعض الآيات إحياء بعض الموتى، كما ورد في سورة البقرة، وهذه مسألة خارقة للعادة. لذا رأينا الأستاذ قد أوَّلها تأويلًا يخرجها من نطاق الخوارق فقد قال عند قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ٥٦] البعث هو كثرةُ النسل، أي أنه بعدما وقع فيهم الموت بالصاعقة وغيرها، وظن أنهم سينقرضون، بارك الله في نسلهم (١).

وعند قوله تعالى {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: ٧٣] يقول: (والظاهر مما قدَّمنا أن ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل إذا وجد القتيل قرب بلد، ولم يعرف قاتله، ليعرف الجاني من غيره. فمن غسل يده. وفعل ما رسم لذلك في الشريعة، بريء من الدم. ومن لم يفعل تثبت عليه الجناية. ومعنى إحياء الموت على هذا، حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك، بسبب الخلاف في قتل تلك النفس. أي يحييها بمثل هذه الأحكام، وهذا الإحياء على حد قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢]، وقوله {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [االبقرة: ١٧٩] فالإحياء هنا بمعنى الاستبقاء كما هو المعنى في الآيتين (٢).


(١) المنار جـ ١ ص ٣٢٢.
(٢) المنار جـ ١ ص ٣٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>