ولا مانع من أن أشير إلى تلك اللفتات العلمية في كلام الشيخ عند قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (١٠٢)} [الأعراف: ١٠٢]: "فمن للتأكيد والإحكام ... ، وانظر إلى الجناس التام المماثل في (ما وجدنا) و (إن وجدنا)، و (إن) مخففة من الثقيلة وخبرها ضمير الشأن، وكون اللام بمعنى (إلّا)، و (إنْ) بمعنى (ما) أبلغ من غيره، وهو المختار عنده، لولا أن ورود (اللام) بمعنى (إلا) فيه شذوذ! " رحم الله سيبويه وعبد القاهر وسامح الله الشيخ عبد القادر! ! .
ثم يتابع الشيخ تفسيره -فيتفنن في التاريخ كما تفنن في اللغة:"ثم بعثنا من بعدهم موسى بن عمران، بآياتنا التسع الآتية بعد في هذه السورة {إِلَى فِرْعَوْنَ} الوليد بن مصعب بن الريان ملك مصر المبالغ في الكبرياء والجبروت والإفراط، حتى ادعى الإلهية، وكلمة فرعون علم لكل من يملك القبط، كما أن النجاشي لمن يملك الحبشة ... والخليفة للمسلمين، والعزيز لمصر، وحمير لتبع، وحمى للهند، وجالوت للبربر، ونمرود للصابئة، ومقوقس للإسكندرية ... ".
[١٥ - إغرابه في كل شيء]
أما عن آيات الأحكام فإن صاحبنا لم يأت بجديد، ونحن لا نكلفه ذلك. بل نكتفي منه بألا يغرب في القول، ولكنه حتى في تفسير هذه الآيات، لم يترك ما تعوده.
فهو يقول عند تفسير قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]: "أيها الصائمون بعد غياب الشمس، من المحل الذي أنتم فيه، لأنها تكون طالعة في غيره، بسبب ارتفاع حدبة الأرض، فهي دائمًا طالعة عند أناس، غائبة عند آخرين. وما جاء أن الأرض مفروشة أو مبسوطة أو ممهدة أو ممدودة مِن كل ما يدل على استوائها من الآيات، فهو بالنظر لما نراه، لا بالنسبة لما هي عليه في التكوين الإلهي، فالنملة ترى البيضة مستوية مبسوطة بالنسبة لصغرها وعظم البيضة، فنحن أصغر من النملة بالنسبة للأرض بملايين الكرات ... ".