يقول عند تفسير قول الله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (١٠٢)} [الأعراف: ١٠٢]:
"مطلب في تفاوت حروف الجر ... وألقاب الملوك: وجيء بمن هنا للتأكيد والإحكام" ... وانظر لهذا الجناس التام المماثل، بين قوله:{وَمَا وَجَدْنَا} وبين قوله: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (١٠٢)} ... و (إن) في صدر هذه الآية مخففة من الثقيلة، وخبرها ضمير الشأن. واللام في {لَفَاسِقِينَ} اللام الفارقة بين (إن) النافية والمخففة حيث أوجبوا وجود اللام بعد (إن) المخففة، لئلا تلتبس بالنافية التي لا يأتي اللام بعدها، والمعنى أنه أي الحال والشأن وجدنا أكثرَهم فاسقين. راجع الآية ٤٥ والمارة (١). وقال بعض المفسرين: إنَّ (إنْ) بمعنى (ما)، واللام بمعنى (إلا) أي: ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين، وهو وجيه، وفيه من البلاغة ما لا يوجد في التفسير الأول، وسياق صدر هذه الآية يوافق المعنى، إلا أنَّ مجيء اللام بمعنى إلا شاذ. لهذا قدمنا الاختيار الأول، مع اختيارنا للثاني لولا ذلك المانع".
(١) الصواب الآية ٤٤، يعني قوله تعالى: {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)} [الأعراف: ٤٥] حيث قال: "واعلم أنّ {أَنْ} هذه والتي قبلها يعني (أن) الواردة في قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا} [الأعراف: ٤٣] مخففتان من الثقيلة" أو مفسرة لكيفية المناداة وهو الأصوب. لأن المخففة يعقبها اللام وهو مفقود هنا، راجع آخر سورة القلم [الآية: ٥١] المارة" يقيني ويقين كل عاقل، أن صاحبنا لم يدرك الفرق بين (إن) و (أن) المخففتين من (إنَّ) و (أنَّ) ولهذا فهو يخلط بينهما، فيجعل لـ (أن) [الأعراف: ٤٤] اسمًا وخبرًا. ويريد لـ (أن) اللام الفارقة بينها وبين (إنّ) النافية. ولهذا فـ (أن) في سورة الأعراف [٤٤] تفسيرية، لأنها لم تأتِ اللام الفارقة بجانبها. والآية التي أرشد إلها في سورة القلم هو قوله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ. . .} [٥١]، فالواو استئنافية، و (إنْ) مخففة من (إنَّ) الثقيلة مهملة، حيث أجرى حكمًا واحدًا على (إن) في سورة القلم و (أن) في سورة الأعراف [٤٤]، وكان بإمكانه أن يريح غيره ويريح نفسه، ويجري على ما جرى عليه الكثيرون، من عدم التعرض لهذه الاصطلاحات مع إتقانهم لها.